للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النصراني قرأ الطب على النصارى وأراد قراءة المنطق فلم يكن فيهم من يقوم بهذا الشأن وذكر له أبو علي بن الوليد شيخ المعتزلة بأنه عالم بعلم الكلام ومعرفة للألفاظ المنطقية فلازمه لقراءة المنطق ثم حسن الشيخ له الإسلام حتى استجاب وكان يطب أهل محلته وسائر معارفه بغير أجرة ولا جعالة بل احتساباً ومروءة ويحمل إليهم الأدوية بغير عوض. وممن درس على شيوخ الأدب المسلمين يحيى بن سعيد ابن مالك النصراني فقد برز في هذا الفن حتى صنف ستين مقامة على مثال البديع والحريري فأحسن فيها وكان فاضلاً في علوم الأوائل وعلم العربية والشعر يرتزق بالطب.

وهذا باب كبير جداً يتسع فيه المجال لعشرة أمثال هذا المقال غير أنني ألتمس الإذن من حضرات السامعين لأقص نبأ عليهم من أغرب الأنباء:

أعرف في باريس رجلاً يهودياً من الذين توفروا على درس المشرق وآدابه وتواريخه وعنوا بالتنقيب عن كل شؤونه ونشروا كثيراً من مآثره الخالدة وأسفاره الممتعة وترجموا بعضها إلى اللغات الأجنبية. ذلك الرجل هو زميلي وصديقي العلامة الفاضل هرتويغ درنبوغ ولست الآن في مكان تقريظه وتعديد حسناته وإنما أقول لكن أنني رأيته في باريس قائماً بتفسير القرآن الكريم على جماعة من الطلبة الفرنساويين في مدرسة اللغات الشرقية فعجبت في نفسي من أمر هذا اليهودي الذي يشرح للنصارى في باريس وبلسان الفرنسيس كتاب المسلمين. ولكنني تذكرت تاريخ أجدادي وبه سيبطل عجبكم كما بطل عجبي. فقد كان الشيخ المؤرخ تقي الدين أبو العباس المقريزي المشهور صاحب كتاب الخطط المتوفى سنة ٨٤٥ من الهجرة له إلمام تام بمذاهب أهل الكتاب حتى كان أفاضلهم يترددون إليه للاستفادة منه فيما يتعلق بأمور دينهم وشرح مذاهبهم ومعرفة أسرار ملتهم وقد ألف كتاباً سماه شارع النجاة يشتمل على جميع ما اختلف فيه البشر من اصول ديانتهم وفروعها مع بيان أدلتها وتوجيه الحق منها وهذا بخلاف ما نراه في البيانات المفيدة الكثيرة في كتابه المشهور بالخطط الذي طبعه الخواجة روفائيل عبيد القبطي وقد أخذ الفرنساويون يترجمونه في هذه الأيام إلى لغتهم بمعرفة العلامة أوريان بوريان وبمعرفة العلامة كازانوفا المقيم بين ظهرانينا الآن لإكمال هذا العمل الجليل الذي برز في عالم المطبوعات قسم كبير منه.