للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن أين المقريزي وأين علمه من الفقيه الشافعي كمال الدين ابن يونس الذي ثقفه في الموصل ثم توجه إلى بغداد ثم رجع إلى الموصل ومات بها رابع عشر شعبان سنة ٦٣٩ فقد كان آية ولا كالآيات وأعجوبة ولا كالأعاجيب وموسوعة ولا كالموسوعات تبحر في جميع الفنون وجمع من العلوم ما لم يجمعه أحد وتفرد بعلم الرياضة واتفق الفقهاء على القول بأنه يدري أربعة وعشرين فناً دراية متقنة فمن ذلك مذهب الشافعي فكان فيه أوحد الزمان وكان جماعة من الطائفة الحنفية يشتغلون عليه بمذهبهم ويحل لهم مسائل الجامع الكبير أحسن حل مع ما هي عليه من الإشكال المشهور وكان يتفنن فن الخلاف العراقي (أي على مذهب الشافعي) والبخاري (أي على مذهب الحنفي) وأصول الفقه وأصول الدين ولما وصلت كتب فخر الدين الرازي إلى الموصل وكان بها إذ ذاك جماعة من الفضلاء لم يفهم أحد منهم اصطلاحه فيها سواه وكذلك كتاب الإرشاد للإمام ركن الدين العميدي لما وقف عليه حل اصطلاحاته في ليلة واحدة وأقرأها على ما قالوه وكان يدري فن الحكمة والمنطق (أي كتب أرسطو طاليس المنطقية الثمانية) والطبيعي والإلهي وكذلك فنون الرياضة من إقليدس (أي كتبه الرياضية) والهيئة والمخروطات والمتوسطات والمجسطي (أي الفلك) وأنواع الحساب: الحساب منه (أي علم العدد) والجبر والمقابلة والأرتماطيقي وطريقة الخطأين والموسيقى والمساحة معرفة لا يشاركه فيها غيره إلا في طواهر هذه العلوم دون دقائقها والوقوف على حقائقها واستخرج في علم الأوفاق طرقاً لم يهتد إليها أحد وكان يبحث في العربية والتصريف بحثاً تاماً وكان له في التفسير والحديث وما يتعلق به وأسماء الرجال يد جيدة وكان يحفظ من التاريخ وأيام العرب ووقائعهم والأشعار والمحاضرات شيئاً كثيراً وكان في كل فن من هذه الفنون كأنه لا يعرف سواه لقوته فيه وبالجملة فإن مجموع ما يعلمه من الفنون لم يسمع عن أحد ممن تقدمه أنه جمعه ولقد كان كبار المشايخ الذين لهم القدم الراسخة في العلوم يأخذون الكتاب ويجلسون بين يديه ويقرؤون عليه مع أنه لهم من الكتب الفائقة ما يشتغل به الناس والطلاب بل كانوا يتركون بلادهم وتدريسهم ويحضرون إليه للتلقي عليه ولقد تخرج عليه خلق كثير في كل فن. وليس كل ذلك شيئاً يذكر بجانب أمر صغير كبير اشتهر عنه وهو الذي أردت أن أتخلص إليه بهذه المناسبة. وذلك أن علماء النصارى واليهود كانوا يقرؤون عليه الطب والفلسفة