نرى زائراً لها من أهل البلاد أو من أهل الحرف والصناعات فيها.
وإذا سألت عن السبب في وضع فهرست لتلك الآثار الإفرنجية من دون العربية اعتذروا إليك بما قلناه من أن الإفرنج هم الذين يتداولن الفهرست ويحرصون على الاستفادة مما فيه. أما ابناء العرب فإذا وجد منهم بضعة آحاد يحذون حذو أولئك فهم في الغالب على معرفة من اللغة الأجنبية تمكنهم من الانتفاع بما سطر في الفهرست. ومعظم الآثار الموجودة في دار الآثار العربية يرجع عهده إلى القرن السابع والثامن والتاسع من الهجرة: أي هي من مخلفات أمراء المماليك والجراكسة الذين عاشوا الدولتين الصلاحية والعثمانية.
فمن نظر في آثار تلك القرون الثلاثة تبين له من حسنها ونفاستها وإتقان العمل فيها ـ ما يحكم معه بأن عصر أولئك المماليك كان عصر عمران وترق في الصناعة والذوق والترف. وأنه امتاز عن العصور التي سبقته وخلفته في ذلك.
ويمكن تقسيم الآثار إلى خمسة مجاميع:
١) مجموعة الحجر والرخام: ومعظمها يتألف من شواهد القبور وأزيار ماء بينها صفيحة حجر ضخمة عثروا عليها في الإسكندرية. ومكتوب عليهاما يفيد أن البناء التي كانت فيه مما أمر بإنشائه السلطان صلاح الدين. وشاهدة قبر محمد بك أبي الذهب مملوك محمد بك الإلفي. وهي مذهبة ومكتوب عليها شعر يدل على اسمه ووفاته في سنة ١١٨٩.
ومعظم الأزيار من رخام. ولها أحواض خاصة بها ترتكز عليها. ومما هو من الغرابة بمكان أن ترى حجراً ضخماً من الرخام نحت منه زير كبير مستطيل أو كروي الشكل. وقد جوف تجويفاً تاماً يحار العقل في الطريقة التي اتخذها صانعوه في تجويفه ثم نحت على ظاهره أشكال نافرة ورسوم متناسبة أو أضلاع مستوية كلها غاية في الحسن ودقة الصنعة. وأحد تلك الأزيار النفيسة اصطنع برسم الخاتون تاتار ابنة السلطان قلاوون وهناك صفائح من الرخام كبيرة حفر على سطوحها نقوش متعرجة متناسبة. وتسمى الصفيحة من تلك الصفائح السلسبيل والغرض منها أن يسيل الماء عليها من أنبوبة فوقها وفي أثناء سيلانه يتكسر بسبب ما تحته من التعاريج ويكون ذلك وسيلة إلى امتزاجه بالهواء ثم يصل إلى حوض رخامي صغير في أسفل الصفيحة فيكون ماء صحياً صالحاً للشرب كذا قالوا. وعندي أن السلسبيل وتحدر الماء عليه مما اتخذ لترويح النفس وإمتاع النظر كما اتخذوا