لجميع الكتب والرسائل نسأله عز وجل العون لنا على ذلك بجميل عاداته والمجد لله أهل المجد ووليه الراجي به شكراً من عباده مقدر الأشياء من قبل كونها ومدبرها من بعد حدوثها الذي جعل الرحمة والعدل من سنن الحق وأمر بهما وجعل الفسق والجور من سبيل الباطل ونهى عنهما. فالحمد لله المتفرد بالوحدانية فهو عز وجل بجوهره الأدبي وحكمته القديمة وحياته الأزلية مستحق الحمد والثناء ومستوجب المحبة والثنا الذي لم يجعل في ناموسه شبهة تقتضي شكاً ولا في شريعته ارتياباً يوجب اختلافاً بل جعله واضحاً بيناً للشعوب على اختلافهم بالأسباب والجهات وعلماً ظاهراً لسائر الأمم على تباينهم في الكلام واللغات بما أظهر على يدي أنبيائه ورسله وما بعثه إليهم من المعجزات ومهولات الآيات ودعا إلى دينه ووعد بجميل النظر لمن آمن به وأوعد بسوء المنقلب لمن انحرف عنه وجحده حمداً يمتري من المزيد لإحسانه ويقتضي الزلفى لديه وإياه أسال وإليه أرغب في خلوص نياتنا لقبول ما يرضيه وصرف طوياتنا إلى ما يعود إلى العمل بطاعته.
أفرأيتم هذا الإنشاء البديع وهذا الدبيج الجميل الذي يرتضيه أكابر العلماء والأدباء من المسلمين؟ بل فما بال أخواننا الأقباط هجروا العناية باللغة وأنزلوها إلى ما هو متعارف في الدواوين وجرونا وراءهم في التدلي حتى إذا حاولنا إعادة بهجتها في الرسميات لم يتفاهموها ولم نتفاهمها؟ أفيظنون أنها من الدين؟ كلا وربكم وقد أتيتكم بشاهد مكين من ابن المكين وعززته بشاهد آخر عن طريق ابن البطريق. فهي الآن لغتهم شاؤوا أو لم يشاؤوا وليس لهم عنها من محيد بل شأنها في رقبتهم وفي لسانهم شأن ذلك الرجل القادم على القطار من الصعيد إذا قال لجماعة من الأقباط المتحذلقين: أسقف على قلبكم. وسأسرد لكم شيئاً عن المكين وابن البطريق فيما يتعلق بعلائق الارتباط بين المسلمين والأقباط لتعلموا أنهم كانوا سواء في الشدة والرخاء. وسأذكر لكم عنها أشياء كثيرة في عرض هذه الخطبة الطويلة أبدأ بالفتح الإسلامي فهو مفتاح كلامي ثم أشرق وأغرب وأصوب وأصعد وأنجد وأتهم وبعد ذلك أكر على مصر حتى أصل إلى هذا العصر.
روى ابن البطريق أن أبا عبيدة بن الجراح خرج من القدس إلى حمص ومنها إلى قنسرين فكتب إليه بطريقها يطلب الموادعة على نفسه سنة حتى يلحق الناس بهرقل الملك ومن أقام فيها فهو ذمة وصلح. فأجابه أبو عبيدة إلى ذلك فسأله البطريق وضع عمود بين الروم