والمسلمين بحيث لا يجوز لأحد من الفريقين أن يتعداه إلى الآخر. وقد صور الروم في ذلك العمود صورة هرقل جالساً في ملكه. فرضي أوب عبيدة، واتفق أن نفر من المسلمين كانوا يتمرنون على الفروسية إذ مر أحدهم وهو أبو جندل سهل بن عمر على العمود. فوضع زج رمحه في عين تلك الصورة غير متعمد لذلك ففقأ عين التمثال. فأقبل البطريق وقال لأبي عبيدة: غدرتمونا يا معشر المسلمين ونقضتم الصلح وقطعتم الهدنة التي كانت بيننا وبينكم. فقال أبو عبيدة: فمن نقضه؟ قال البطريق: الذي فقأ عين ملكنا. فقال أبو عبيدة: فما تريدون؟ فقال: لا نرضى حتى نفقأ عين ملككم. فقال أبو عبيدة: صوروا بدل صورتكم هذه صورتي ثم اصنعوا بي ما أحببتم وما بدا لكم. فقال لا نرضى إلا بصورة ملككم الأكبر. فأجابهم أبو عبيدة إلى ذلك. فصورة الروم تمثال عمر بن الخطاب في عمود. واقبل رجل ففقأ عين الصورة برمحه. فقال البطريق: قد أنصفتموه وبعد سنة أقاموا على الصلح والذمة وبهذه المثابة استبقى أبو عبيدة بسياسته أهل البلد فلم ينزحوا عنها.
وقرأت في كتاب الدروس الجغرافية لتلامذة المدارس الابتدائية لسيدي وأخي رشاد بك المطبوع في سنة ١٨٨٩ أن مدينة بلبيس هي ثاني موضع قاتل فيه عمرو بن العاص بأرض مصر نحواً من الشهر ولما فتحها ورأى في جملة سباياها ابنة المقوقس ردها في جميع مالها مكرمة إلى أهلها.
وروى المكين أنه حينما كان عمرو بن العاص محاصراً للإسكندرية اقتحم حصناً منها فجاشت الروم عليهم وأخرجوا العرب منه وفي أثناء ذلك أسروا عمر بن العاص ومسلمة ابن مخلد ووردان مولى عمرو ورجلاً آخر. ولم يعرف الروم من هم فقال لهم البطريق: إنكم قد صرتم أسارى فعرفونا ما الذي تريدون منا؟ فقال لهم عمرو: إما أن تدخلوا في ديننا وإما أن تعطوا الجزية وإما أن نقاتلكم إلى أن نفيء لأمر الله. فقال واحد من الروم للبطريق: أتوهم أن هذا الرجل أمير القوم فاضرب عنقه. ففطن وردان لكلامه وكان يحسن الرومية وعمرو بن العاص لا يعرف شيئاً منها. فجذب عمراً جذبة شديدة ولكمه. وقال له: ما لك ولهذا القول وأنت أدنى من الجماعة وأقل فاترك غيرك يتكلم فقال البطريق في نفسه. لو كان هذا أمير القوم ما كان يفعل به هكذا. وقال مسلمة أن أميرنا قد كان عزم على أن ينصرف عن قتالكم وبهذا كتب إليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأراد أن يوجه