الجرمان وأخلاقهم ومبايناً لسعادة الأمة وحسن نظامها. وعندهما أن لبروسيا فكراً سيحمل إلى ماضيها تاريخ مجد مؤثل بالرغم من مقاطعاتها الناقصة وحدودها المتنائية. ولهذا فإن الألمانيين راغبون من أجل سعادتهم عامة وسلامتهم في إعلاء اسم الجرمان باتحادهم تحت لواء تقدم بروسيا نابذين امتيازاتهم وشعورهم الشخصي ظهرياً. ولما أثنى فريتغ لأول مرة في ليبسيك على مهمة بروسيا وموقعها من ألمانيا حول قسم كبير من منوري الأفكار في ألمانيا أنظارهم نحو بروسيا التي كانت جندية الحلية أريستوكراتية المنزع غير مفكرين فيما يتخلل نظرياتهم السياسية ومذاهبهم من التناقض على أن الفرق طفيف جداً بين عالم الألمان ـ ذلك الجيل الناشئ على أفكار داروين واستراوس الفلسفية وبين جنود بروسيا: فكلاهما مولع في التقاط الحقيقة ومن ذوي القوة والبطش والاقتدار. أما بروسيا فقد كانت هيئة مسيطرة على ضروب المذهب الحقيقي: على السياسات والإدارة والجندية والاقتصاد وبالجملة فقد كانت متشبعة الروح بجميع أنواع مذهب الحقيقيين. وامتازت بخصلة هي فوق ذلك كله وهي أنها كانت تحس بوجود ميل خارق لسحق الفرنسيس كلما اقتربت منهم.
ذلك هو الفكر الذي جال في خاطر طلاب كلية ألمانيا الجديدة بروسيا منذ عام ١٨٥٠ وأول من كان موفقاً لإيفاء هذه الوظيفة على غاية ما يمكن أن يكون من الإتقان والكمال المؤرخ مومسن:
تيودور مومسن من أغرب الألمانيين خُلقاً وخَلقاً اجتمعت في نفسه الأضداد بأجمعها فهو عالم كبير كما هو خيالي كبير ومع هذا فقد كان يوصي الناشئة الجديدة في أن يتلقوا ماله من الخيالات نموذجاً ليس من ورائها فائدة تذكر. وهو ديمقراطي على حين لم يوفق أحد إلى خدمة المذهب القيصري سراريزم تماثل ما عمله في مصنفه تاريخ رومية. ولد عام ١٨١٧ ومات سنة ١٩٠٣ في مقاطعة غاردينغ من أعمال شلزويق حيث كان أبوه راهباً. ونشأ على هذه القطعة الساحلية الغريبة التي كانت ترى بمراعيها الواسعة وحقولها الشاسعة ذات غضار ونضارة من الداخل أشبه بلون بحيرة تضطرب بأمواج كالجبال من الخارج وإذا عمنا بآراء أحد القائلين بمذهب تين من المؤرخين كان من تنفجر عنهم الحياة في محيط كهذا مكتئبين مكدرين في حين كان مومسن من أبدع أنموذجات الإبداع البشري حياة وابتهاجاً وابتساماً. والصحيح أن هذه النموذجات غير نادرة في ألمانيا.