كان مومسن يرى مع من يرى أن العلم غير منحصر في دائرة محدودة وأنه علم مشاع لهذا كان لا يستحسن تهافت الألمانيين على تعميم فكر الإخصاء ولا يقيم لتهالكم على انتشاره وزناً. فقد فقد قال في خطاب أورده في مؤتمر برلين العلمي في اللغة اللاتينية: الإخصاء في فرع من العلوم فقط واجب ولكن ليس من الواجب الاقتصار على ذلك الفرع والضرب دون غيره بإسداد بل يجب على الطالب لسعي لأن تتوفر لديه المعارف في هذا الفرع وأن يصيب حظاً من كل شيء. . فما أصغر هذه الكرة الرضية وأحقرها في نظر من لا يرون غير كتاب اليونان واللاتين وطبقات الأرض والمسائل الرياضية في هذا العالم الفسيح. . .
ومن غريب التضاد كون مومسن مفنناً خيالياً مع سعة اطلاعه العلمي المدهش. وإنك لتذهل عندما ترى هذا الرجل في نفس الأمر الذي يحمل تلك الجبهة ذات القوة والتؤدة والوقار من الشعراء المتأثرين غير أنه ليس نظير ميشله المؤرخ الفرنسوي الشهير تأخذه الهزة والانفعال لكل جميل فهو لا تأخذه رحمة ولا شفقة لآلام من يفترشون الأرض ويلتحفون السماء من بني آدم ولكنه صاحب عقل متأثر لا يتبين غلا بمتانته وقوة دهائه فقط في هذا العالم وهو من أجل الأشياء التي تنثر ضياءً وشرراً أشد ما يكون احتداماً هياماًَ. كان من المحتمل بقاء غرائز مومسن في العلم والصناعة طي الخفاء لولا أن قيض الله لها رجلاً في برلين عام ١٨٥٠ يعنى بنشر المؤلفات فرغب إليه كتابة تاريخ لرومية إذ كان يبحث عن كاتب يشغله في كتابه أمهات التاريخ. فأصاب ذلك الرجل المرمى في اختياره هذا لأن المترجم من المشاهير الباحثين المدققين أرباب الاطلاع على تاريخ رومية. ومن المعلوم أن أساطين العلم لا يقدمون في الغالب على تأليف كتب تتناولها الأيدي عامة وتتداولها الطبقات كافة. وقد حصلت له ملكة سامية جداً عندما كان يعاني من صناعة الصحافة ما يعاني ولهذا ظهر تاريخ رومية مؤلفاً ثميناً. وليس مومسن من تلك الطائفة الشائخة أساتذة الجرمان التي اتخذت العلوم المنتسبة إليها ديدنها وقضت حياتها وقفاً خالصاً عليها بل هو أشد ما يكون تأثراً وانفعالاً للمسائل العامة.
ربى مومسن في كلية كيل فجهزته بجهاز حب بلاده حباً جماً ولطالما قرّع أولئك الذين يقولون أنه يجري في عروقه الدم الدانيماركي بقوله: إن من يدعون أن مدينتي شلزويق