فأنشؤوا لهم بيوتاً ذات حدائق واسعة وحشروا إليها التماثيل وأقاموا فيها المصايف الزاهية التي تمتد إلى البحر وسط الحدائق المتسعة واستكثروا من الخدم والحشم وأخذوا هم ونساؤهم يعتاضون عن ألبستهم المعمولة من الصوف بالشفوف (بزنجك ـ أكريشة) وأكسية الحرير والقصب. ويفرشون في ولائمهم بسطاً مطرزة ودثارات من الأرجوان وأواني من ذهب وفضة (وكان عند الحاكم سيللا مئة وخمسون صحفة من الفضة ووزن ما عند ماركوس وروزوس من الأواني الفضية عشرة آلاف ليرة وإذا ظل العامة يأكلون قعوداً بحسب عادة الشعوب الإيطالية القديمة فالخاصة من الأغنياء اتبعوا العادة الشرقية في الأكل مضطجعين على سررهم ثم سرت عادة التأنق في المآكل على الأسلوب الشرقي والاستكثار من المطاعم من الأباريز والصباغ (سلسا) والصيد والسمك الغريب ومخاخ الطواويس وألسنة الطيور.
واستحكم فيهم السرف حتى لقد مات أحد الحكام سنة ١٥٢ وقد ذكر في وصيته قوله لما لم يكن الإكرام الحقيقي عبارة عن أبهة باطلة بل هو لتذكر أقدار المتوفى وأجداده فأنا آمر أولادي أن لا ينفقوا على جنازتي أكثر من مليون آس (مئة ألف فرنك).
العلوم الأدبية اليونانية: رأى الرومانيون في بلاد اليونان المصانع والتماثيل والألواح التي كانت منذ قرون تغص بها المدن وعرفوا الأدباء والفلاسفة فصار لبعضهم ذوق في الصنائع النفيسة وأولع آخرون بالحياة العقلية فجعل أمثال القائد سبيون حولهم أناساً من اليونان المنورين ولم تطمح نفس بولس أميل من جميع الغنائم التي غنمها جيشه من مكدونية إلا إلى الاستيلاء على مملكة الملك برسي وعهد بتربية أولاده إلى أساتذة يونان وبذلك صارت الكتابة والتكلم باللغة اليونانية من الأمور المستحسنة في رومية. وأراد الأشراف أن يظهروا في مظهر العارفين بالتصوير والنقش فجلبوا بالألوف التماثيل وقلز كورنت المشهور وملؤوا بها بيوتهم. ودخل في ملك الحاكم فريس شيء كثير من النفائس والأعلاق جعلها في رواق وكانت مما نهبه من صقلية
وهكذا أخذ الرومان على التدريج من الفنون ظواهرها ومن الآداب اليونانية قشورها وسمي هذا التهذيب الجديد فن الأدب معارضة للخشونة التي كان عليها أهل الريف من الرومان ومع هذا لم تكن إلا قشوراً فقط فلم يعرف الرومان أن الجمال والحقيقة يرغب فيهما لذاتهما