دعوهما خادمتي الكنيسة بيد أني لم أقف على شيء اللهم إلا ما كان من خرافة سخيفة مبالغ فيها.
وعلى هذا فقد كانت الحكومة هي المضطهدة إلا أن العامة في المدن الكبيرة كانوا أكثر اضطهاداً للمسيحيين فلم يكونوا يتسامحون مع هؤلاء الذين يعبدون إله أخر غير أربابهم ويحتقر هذه الأرباب. وكنت تسمع القوم إذا وقع قحط ومجاعة ووباء يهتفون هتافهم الذي اشتهر آمره النصارى للأسود والشعب يكره الحكام على البحث عن المسيحيين ومطاردتهم.
الشهداء ـ هلك ألوف من المسيحيين في خلال قرنين ونصف نالهم فيها الاضطهاد في طول المملكة الرومانية وعرضها وكان الهالكون من كل سن وجنس وطبقة.
فالوطنيين الرومانيين تضرب أعناقهم كما جرى للقديس بولس والباقون يصلبون ويحرقون وكثيراً ما يلقون للوحوش الكاسرة تنهشهم. وإذا أبقوا عليهم يبعثون بهم إلى الأعمال الشاقة في المناجم وكثيراً ما كانوا يبالغون في عقاب النصارى بإيجاد وسائل لإهلاكهم من كل نوع. ففي المقتلة العظمى التي وقعت في ليون سنة ١٧٧ أخذ المسيحيون بعد أن عذبوا وسجنوا في مطبق ضيق إلى الملعب فأخذت الحيوانات الكاسرة تمزق أوصالهم ولا تقتلهم ثم أجلسوهم على كراسي من حديد محماة بالنار. وإذ قاومت فتاة من الإماء اسمها بلاندين أن تعذب على هذه الصورة جعلوها في شبكة ووضعوها أمام ثور غضبان.
وكان المسيحيون يتلقون بسرور هذا التعذيب الذي يفتح لهم أبواب السموات ويرون فيه وسيلة إلى الإستشهاد علناً في حب المسيح ولذلك كانوا يسمون أنفسهم بالشهداء أي الشهود لا بالمنكوبين وعقوبتهم شهادة. بل أنهم كانوا ينظرون إلى تعذيبهم نظرة نظرهم إلى قتال الألعاب الأولمبية ويرون أنهم كالمصارع الظافر ينالون الفخار والتاج. وما برحوا حتى اليوم يحتفلون بعيد الشهداء وأعيادهم موافقة للأيام التي قتلوا فيها وكثيراً ما كان أحد من يحضرون تعذيب أحد الشهداء يكتب قصته وكيفية توقيفه واستنطاقه وتعذيبه وعقوبته وهذه الكتابات على اختصارها طافحة بالعبرة وكانت تسمى أعمال الشهداء وتنتشر حتى بين الطوائف البعيدة من أقصى المملكة إلى أقصاها وما هي إلى مرددة المجد الذي أحرزه المعترفون بالإيمان الصحيح وداعية إلى الترغيب في الجري على مثالهم.
ولقد حدا حب الشهادة بألوف المسيحيين بأن يعلنوا أمرهم بأنفسهم ويطالبون بالحكم عليهم