أن سويتون في القرن الثاني لما تكلم في تاريخ القياصرة على المسيح قال أنه رجل اسمه كريستوس يلقي الاضطراب بين سكان رومية. ولما أخذ الأغنياء والأدباء يعنون بأمر الدين الجديد لم يكن ذلك منهم إلا ليهزؤوا به ولا يذكرونه إلا أنه دين فقراء وجهلة. وإذ جاء النصرانية لمساكين هذا العالم بأن وعدتهم الجزاء عن هذه الحياة في الآخرة كثر أشياعها والقائلون بالتدين بها ولم تحل الاضطهادات دون انتشارها بل قوتها وبعثت كلمتها فقد كان المسيحيون يقولون بأن دم الشهداء بذر للمسيحيين ولقد ظل الاهتداء إلى النصرانية ينتشر خلال القرن الثالث كله بين رجال الأسرات الكبيرة لا بين الفقراء فقط وما جاءت أوائل القرن الرابع إلا وقد أصبح الشرق كله أي البلاد التي تتكلم باليونانية مسيحياً بأسره.
وكانت هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين مسيحية فجعلتها الكنيسة في مصاف القديسات ولما زحف هذا الإمبراطور على مزاحمه ملك رومية وصغ على علمه شارة الصليب وشعار المسيح وكانت الغلبة التي كتبت له غلبة للنصرانية فسمح للنصارى أن يقوموا بشعائر دينهم دون أن يعارضهم أحد بأمره الصادر سنة ٣١٣ ثم أخذ يعطف عليهم جهاراً. ومع هذا لم يتخل عن الدين القديم (الوثنية) فحينناً كنت تراه يرأس مجلس أساقفة المسيحيين كان يلقب بلقب الحبر الأعظم ويحمل على خوذته مسماراً من الصليب الحقيقي ونقوده منقوش عليها صورة رب الشمس. وقد أنشأ في القسطنطينية كنيسة نصرانية كما أنشأ معبداً تذكاراً لهذه الغلبة. ومضى نصف قرن كان فيه من الصعب معرفة دين المملكة الرسمي في الإمبراطورية.
تنظيم الكنيسة ـ لم يخطر في بال المسيحيين حتى في الأزمان التي نالهم فيها الاضطهاد أن يقلبوا كيان الإمبراطورية ومنذ بطل اضطهادهم أصبح أساقفتهم حلفاء للإمبراطور وعند انتظمت حالة الكنيسة بصورة قطعية على الصورة التي بقيت عليها إلى يومنا هذا. فصار لكل مدينة أسقف يقيم في الحاضرة ويقيم على المسيحيين التابعين لهل وتسمى الأرض الخاضعة لأسقف أبرشية. وكان في أقطار الإمبراطورية الرومانية أبرشيات وأساقفة على قدر ما فيها من مدن وهذا هو السبب الذي أجله كان الأساقفة كثيرين والأبرشيات صغيرة في الشرق وفي ايطاليا حيث كثر عدد المدن. وعلى العكس في مدن غاليا فإنه لم يكن بين الرين والبيرنيه سوى ١٢٠ أبرشية ومعظمها ما عدا أبرشيات الجنوب في الجسامة كولاية.