فصح فينا قول ذي عمرو من أمراء اليمن لجرير بن عبد الله إنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتمة إذا هلك أمير مرت تم في أواخر فإذا كانت بالسيف كانوا ملوكاً يغضبون غضب الملوك ويرضون رضا الملوكثم سلط عليهم جبابرتهم فساموهم سوء العذاب وضربهم بالفاقة وملأ قلوبهم رعباً.
ولقد كتب لبني عثمان أن يتغلبوا على معظم بلاد الإسلام ويبنوا دولتهم على أنقاض حكومات كثيرة فدان لهم المغرب الأوسط ومصر وبلاد اليونان ورومانيا والصرب والبوسنة والهرسك والجبل الأسود وكريت وقبرص فانسلخت عن جسم الدولة بمساعدة أوروبا لها من الخارج ومناعي سكانها من الداخل.
والسبب الأعظم في ذهاب القاصية من بلاد الدولة كونها ما برحت منذ أول تأسيسها دولة سيف وسنان لا دولة علم وعرفان. وضخامة الملك لا تجدي إذا لم تنظم شؤونه بنظام الاجتماع والعلم الصحيح. فجربت البلاد بسياسة التفريق بين العناصر والأجناس بيد أن دوام الحال على ذلك محال مادامت أوروبا شاخصة أبصارها نحو الشرق تتحفز كل ساعة لاكتساحه منذ زهاء مئة سنة وتتطال إلى استعماره القطعة بهد القطة.
عرف وخامة العاقبة أهل الرأي في الأمة العثمانية فقاموا منذ نحو أربعين سنة ينادون في الدعوة إلى لم التعث ومجاراة الحكومات الأوروبية في نظامها فدعا شناسي وكمال ومدحت وفاضل وسعاوي وهم طليعة الأحرار الأبرار إلى نبذ الحكم المطلق والاستعاضة عنه بالحكم المقيد أي ترك الحكومة الاستبدادية الشخصية والأخذ بسنن الحكومة المدنية الثورية لتشارك الأمة سطلنها في إدارة شؤون البلاد وهو يشرف عليها إشرافاً وينفذ ما تقرره تنفيذاً كما هو حال أعاظم ملوك الأرض لهذا العهد إمبراطور الألمان وملك الإنكليز وميكاد واليابان ورئيس جمهورية أميركا على اختلاف طفيف في كيفية تأليف مجالسهم وإشراك ذوي الرأي من أهلهم في سلطانهم.
وما فتئ الأحرار ينشرونة دعوتهم في جرائد لهم أنشؤها وجمعيات الفوها وكلمتهم تزيدم انتشاراً كلما اشتدت الحكومة في إرهاقهم ولاسيما في المدارس العالية في الاستانة.
والمدارس العالية مجمع شمل أذكياء الطلاب من الترك والعرب والجركس والأرناؤود واللاز والروم والأرمن حتى إذا عادوا إلى بلادهم وتفرقوا في الولايات يضيفون إلى تذمر