للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويميلون في الظاهر والباطن إلى أن يكون الدين فقط جامعة تجمع الأمة على مثال الجامعات السياسية والجنسية وإذا سألتهم عن الحلال والحرام وعما شرعته الأديان صعروا إليك خدودهم وقالوا لك أن الأمة تعيش بحديثها دون قديمها وأن ذاك القديم إن لم يضرنا الأخذ به فهو لا ينفعنا والعاقل لا يقبل إلا على ما ينفعه ويعلي قدره.

تلك هي شنشنة أصحاب الحديث أو الملاحدة والزنادقة الطبيعيون كما يطلق عليهم المتدينون وهذه حالة هؤلاء مع أولئك وستكون الغلبة لأنصار الحديث إذا لم يقم خصومهم لهم شعثهم على صورة معقولة مقبولة وبين هذين الفريقين فريق ثالث اختار التوسط بينهما فلم ير طرح القديم كله ولا الأخذ بالحديث بجملته بل آثر أن يأخذ النافع من كل شيء ويضم شتاته وهذا الفريق المعتدل على قلته لا يقاومه العقلاء من أهل الفريقين الآخرين مقاومة فعلية وعامتها غير راضين عنهم بالطبع لأن أكثر الناس يحبون أن تكون معهم أو عليهم ولا وسط بين ذلك.

ولقد كتب إلينا أحد علماء الشرقيات في برلين وهو ممن طافوا بلاد المشرق وسكنوا فيه زمناً وانقطعوا لدرس أحواله الاجتماعية وعلومه الإرثية كتاباً بالعربية فيه المقتبس وما يجب للمسلمين أن يقوموا به لقيام أمرهم بعد ذاك السبات الطويل قال:

أما الرسائل التي هي لبها (المجلة) فرأيتها تدور أبداً على حث الناس على درس العلوم المدنية التي تركت في العالم الشرقي منذ نحو خمسمائة سنة واقتباس الآثار الإفرنجية الحديثة فيها وإحياء الأدبيات العربية وهذا مطابق بحسب اختياري للطريقة الصحيحة لسعادة الأمم إذ لا فائدة من تقليد الأجانب وحده ولا فائدة من التناغي فقط بالآثار الشعبية (الوطنية) وحده بل الخير كل الخير في الأخذ من هنا وهناك وتعميم الدرس والبحث مع إضرام تلك الشعلة العظيمة التي هي ذات نور وذات حرارة وذات إنبات وأعني بها المبدأ الشعبي ولنا أن نسميه الشعوبية على شرط أن نجرده من الرائحة غير المقبولة.

اجتهد الإسلام والنصرانية أن ينشأآ جمعية تقوم بالدين وحده ليكون أصل الشهادة بذلك الدين ظاهرين على الدين كله إلا أنهما فشلا. ولقد تنبأ بعض المسلمين بأن الجامعة الإسلامية التي ستكون في أواخر هذه السنة لن تأتي بما يرجوه أكثرهم من تقوية عروة الدين بل ستقوي الأحزاب الشعبية وربما يتسع الخرق بين الجماعات من جهة المذهب