الديني. أما أنا فأقول أن تقوية روابط المسلمين مع من حولهم من غير المسلمين المبنية على وحدة التربية والأخلاق والعادات وعلى وحدة اللسان لا تخلو حقيقة من تقوية الدين نفسه لأن هذا الاجتماع من شأنه أن يدعو إلى نمو عامة القوى فيزيد من له ميل إلى الحياة الدينية اعتقاداً وعملاً كما يزيد من له ميل إلى غير الدين قوة فيما اختاره وعلى هذا فمن مصلحة كل دين أن يكون نصف منتحليه مجتهدين مخلصين من أن يكون الجميع فاترين غير مكترثين بشيء.
هذا ما كتب لنا به العالم الغربي الشرقي منذ أشهر نشرناه ليطلع عليه أنصار القديم والحديث فيعلم الجامدون على مسطور القديم أن لا قيام لأمرنا بغير الأخذ من مدينة أوربا ويدرك أنصار الحديث بأن هذه المدنية الجديدة التي بهرتهم بزخارفها وسفاسفها لا تنفعهم وتنفع بني قومهم إلا إذا رافقها ما يجملها من علوم الأسلاف وآدابهم والأمة التي تنزع ربقة قديمها جملة واحدة وتنتقل إلى طور آخر دفعة قد ينعكس عليها الأمر ويلتوي عليها القصد ولم تنجح اليابان إلا لكونها اقتبست المدنية الغربية ومزجتها بأجزاء مدنيتها وهذا سر قول العالم المشار إليه لا فائدة من تقليد الأجانب وحده ولا فائدة من التناغي فقط بالآثار الشعبية أي ما ورثناه عن أجدادنا من التشبث بأهداب الوطنية وذكر القديم والحرص عليه.
ولنا في الغرب دولتان كبريان هما مثال في اقتباس الجديد والحرص على القديم. فقد شهدنا ألمانيا إلى اليوم تجري في مدارسها وكلياتها على آداب النصرانية المنقحة فلا توسد التدريس فيها إلا لرجل عرفت ترجمته وحياته مخافة أن يفسد عليها تربية أبنائها فتكون مدنية دينية أما فرنسا فناهضت الدين منذ زهاء مئة سنة وزادت مناهضتها له في السنين الأخيرة حتى نزعت لفظ الجلالة من المعاهد العامة وأخذت تضيق الخناق على أهل التدين من حملة العلم والأقلام حتى صار المتدين سراً يتجاهر بالانحلال جهراً ليأمن على معاشه ورزقه وسموا هذا حرية ولكن الله يحصي على الأمم ذنوبها كما لا يغفل عن الأفراد وها قد أخذت المدنية الإفرنسية التي بهرت العيون في الزمن الماضي ترجع القهقهرى وعلماء الأخلاق فيها يبكون دماً على انبتات شملهم وتراجع عمرانهم حتى روى بعض الإحصائيين أن عدد الفرنسيس سينزل في أواخر القرن العشرين إلى ثلاثة ملايين لأن المواليد أخذت تنقص عن الوفيات أما في ألمانيا فبفضل التربية الدينية والحرص على الأخلاق قبل