أخذت في الترقي دولة البرتغال وليس في وسعها التوسع في الملك فهجم أرباب الأقدام فيها على المخاطر ولما كانت الهند أعظم محل تجاري بما ترسل من البهارات والأباريز والفلفل والأفاوية إلى بغداد وأوربا أرادوا أن يذهبوا إليها ليستعمروها وتولدت عندهم رغبة جديدة في أن يصلوا إلى الهند عن طريق آخر لأن الإسلام في المغرب الأقصى ومصر واقفون لهم بالمرصاد لذلك استغنوا عن طريق البر وسلكوا طريق البحر فاكتشفوا طريق رأس الرجاء الصالح وتملكوا موزامبيك وزنجبار ووصلوا إلى الهند وعاملوا تجارهم قائلين لهم لا نزيد سوى الفلفل بهذه الوسيلة صار لهم مع أهل العند معاملة قوية لكن تفرق تجار الهند جعل لهم عليهم كلمة فاستغاثوا بملوك مصر وآل عثمان فلم يجيبوهم لأن العداوة كانت متأصلة بين السلطان سليم والغوري ملك مصر.
وذلك أن الغوري أرسل طائفة من الجند إلى الهند عَلَى سفن (ويسمونها أغربة) صنعها في السويس فلما وصل قائده إلى اليمن حدثت بينه وبين أهلها مناوشات اضطرته لأن ينسى الوظيفة التي أرسل إليها وهي إنقاذ البلاد من البورتقال فبقي في اليمن وفي أثناء ذلك كانت القاهرة في اضطراب شديد أنساها الهند أيضاً لمحاربتها مع السلطان سليم وانتصاره في واقعة (مرج دابق) التي قتل فيها الغوري واستولى هو على حلب ومصر والشام ثم اشتغلت الدولة العثمانية بمحاربة السلطان اسماعيل الصوفي ونسيت الهند فكان هذا التفرق والاضطراب أعظم وسيلة لامتلاك البورتقال تلك البلاد الغنية بتربتها ومحصولاتها.
رأينا بلاد الهند فتحت على يد التجار كما امتلكها الإنكليز اليوم بواسطة التجارة أيضاً لما أصبحت إنكلترا ملكة البحار وأهلها ملوك التجار.
في ذلك الوقت قامت إسبانيا لتوسع دائرة ملكها فرأت أنها لا يمكنها طلب الهند من طريق البورتقال والمنافسة التجارية أساس الاستعمار فقام خريستوف كولمب وجرى في البحر من جهة الغرب ليملك بلاد الهند. بهذه الوسيلة اكتشف أميركا وسماها الهند الغربية. وارتقت إسبانيا حتى كانت كلمتها هي العليا خصوصاً في أيام شارلكان فإنها اغتنت وتدفقت إليها الأموال من جهات الدنيا ولكنها تضعضعت أخيراً بإخراج المسلمين وبالتراخي فألهاها التكاثر حتى دخلت في عداد أهل المقابر. في هذه الآونة كانت أوربا جارية نحو التمدن والشرق قد أخلد إلى النوم والسكون إلى الموت والجمود. وهنا أذكر لكم كلمةً عن تمدن