ومعظمها في الغاية إيجازاً وبياناً بنسج متعلم البيان والخطابة والشعر على منوالها وفيه من الحوادث كمقتل الحسين وشيعته مثلاً ما لوجود لكان قصصاً تاريخية حماسية فمن ذلك كلام لحيان بن ظبيان أحد زعماء الخوارج قاله لأصحابه: إنه والله ما يبقى على الدهر باق وما تلبث الليالي والأيام والسنون والشهور على ابن آدم حتى تذيقه الموت فيفارق الإخوان الصالحين ويدع الدنيا التي لا يبكي عليها إلا العجزة ولم تزل ضارة لمن كانت له هماً وشجناً فانصرفوا بنا رحمكم الله إلى مصرنا فلنأت إخواننا فلندعهم إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإلى جهاد الأحزاب فإنه لا عذذر لنا في القعود وولاتنا ظلمة وسنة الهدى متروكة وثأرنا الذين قتلوا إخواننا في المجالس آمنون فإن يظفرنا الله بهم نعمد بعد إلى التي هي أهدى وأرضى وأقوم ويشفي الله بذلك صدور قوم مؤمنون وإن نقتل فإن في مفارقة الظالمين راحة لنا ولنا بأسلافنا أسوة.
وقال زياد لما استعمله معاوية على البصرة وخراسان وسجستان والهند والبحرين وعمان فقدم البصرة سنة ٦٥ والفسق بالبصرة ظاهر فاش فخطب خطبة بتراء لم يحمد الله فيها وقيل بل حمد الله فقال: الحمد لله على أفضاله وإحسانه ونسأله المزيد من نعمه اللهم كما رزقتنا نعماً فألهمنا شكراً على نعمتك علينا أما بعد فإن الجهالة الجهلاء والضلالة العمياء والفجر الموقد لأهله النار الباقي عليهم سعيرها ما يأتي سفهاؤكم ويشتمل عليه حكماؤكم من الأمور العظام ينبت فيها الصغير ولا يتحاشى منها الكبير كأن لم تسمعوا بآي الله ولم تقرؤا كتاب الله ولم تسمعوا ما أعد الله من الثواب الكريم لأهل طاعته والعذاب الأليم لأهل معصيته في الزمن السرمدي الذي لا يزول أتكونون كمن طرفت عينه الدنيا وسدت مسامعه الشهوات واختار الفانية على الباقية ولا تذكرون أنكم أحدثتم في الإسلام الحدث الذي لم تسبقوا به من ترككم هذه المواخير المنصوبة والضعيفة المسلوبة في النهار المبصر والعدد غير قليل ألم تكن منكم نهاة تمنع الغواة عن دلج الليل وغارة النهار قربتم القرابة وباعدتم الدين تعتذرون بغير العذر وتغطون على المختلس كل امريء منكم يذب عن سفيهه صنيع من لا يخاف عقاباً ولا يرجو معاداً ما أنتم بالحكماء ولقد أتبعتم السفهاء ولم يزل بهم ما ترون من قيامكم دونهم حتى انتهكوا حرم الإسلام ثم أطرقوا وراءكم كنوساً في مكانس الريب حرم عليَّ الطعام والشراب أُسويها بأرض هدماً وإحراقاً إني رأيت آخر هذه الأمر