للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حياتهم ومعتقداتهم. وإذ كان المرابطون والموحدون متعصبين بالفطرة اضطروا أن يتظاهروا بالتعصب سياسة أيضاً فكانوا يعيشون في جهاد دائم لمقابلة المسيحيين من سكان الشمال الذين لم يكونوا دونهم في الانغماس بحمأة التعصب أيضاً للدفاع عن كيانهم في بلادهم ولم ير أولئك المرابطون والموحدون وسيلة إلى بث دعوتهم في نفوس أبناء دينهم أحسن من إثارة روح التعصب في جمهور العامة المتعصب وليس من سبيل إلى إقناعهم إلابتحسين دينهم لهم واضطهاد غيره من الأديان. فلا عجب من ثم إذا عومل نصارة الأندلس بأقصى الشدة وخربت كنائسهم وصودرت أموالهم وغدوا على الدوام مهددين في حياتهم. ولما عيل صبرهم استصرخوا ألفونس السابع المعروف بحبه للحرب والضرب فاقتصر من نجدتهم على غزو المسلمين في عقر دارهم ولكن بدون طائل إذ قاسى مسيحيو الأندلس من تلك الغزوات ضروب النكبات فقتل بعضهم أو نفي إلى إفريقية (١١٢٥) على صورة متوحشة بحيث هلكوا بأسرهم قبل أن يبلغوا منفاهم.

وجرى استئصال شأفة النصارى سنة ١١٣٦ على أقسى وجه حتى لم يبق منهم باقية في الأندلس ومن نجوا من الموت والتشريد لجؤا إلى قشتالة. وهكذا أسدى المرابطون والموحدون لنصارى الشمال معروفاً عظيماً غير متوقع بما توفروا على القيام به من العسف حتى نقضوا العهد الذي كان عقد بين إسبانيا الجنوبية والمسلمين العرب وقووا الشعور الوطني والتحمس الديني في الأندلسيين وجمعوا بين الإسبانيين من سكان الشمال ومن سكان الجنوب بما بينهم من أواصر الجنس والدين فقاموا قومة رجل واحد في وجوه المسلمين مسوقين إلى ذلك بحب الانتقام المتأصل بين الإسلام ومن يخلفه. وما كان الاضطهاد الذي نال أهل الصناعات الوديعين من المغاربة بعد خمسة قرون إلا جواباً طال التفكر فيه ودعت إليه قسوة المرابطين والموحدين وكان نتيجة تعصب مماثل لذاك التعصب ورأي سياسي مشابه لتلك الآراء وإن كان إلى الصراحة أقرب.

ولم يلبث امتزاج الشعوب الإسبانية على اختلاف العناصر والدين إن أثمر الثمرة المطلوبة فانهارت قوة الموحدين في وقعة لاس نافاس دي تولوزا (١٢١٢) وسقطت قرطبة (١٢٣٨) وإشبيلية (١٢٥٤) وبلنسية ومرسية في أيدي الإسبانيول وغدا هذا الاسم بعد حين جامعة دينية أكثر مما هو جامعة جنسية لأن جميع من لم يرتدوا عن الإسلام دخلوا في سواد