للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنده ولو كان التقليد عذراً لأحد لكان جميع المشركين معذورين عنده.

كان الصحابة والتابعون يأخذون أصول الدين وفروعه من القرآن ومايثبت من السنة يحكمون العقل واللغة في تفهمها واستنباط ما لا يجدون فيه نصاً صريحاً وإن اختلفوا في شيء رجعوا فيه إلى ذينك الأصلين كما قال تعالى (فإن تنازعتم في شيء الآية) فهناك يرتفع الخلاف ويرجع المخطيء عن خطئه ويظهر الحق كما وقع لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب مع أبي بكر رضي الله عنه في قتال أهل الردة وهذا هو الاجتهاد الذي كان سائغاً في السلف الصالح من الأئمة وكأن هؤلاء نظروا إلى المستقبل من طرف خفي فأنكروا أشد الإنكار على من يأخذ بآرائكم في الدين قبل أن يعرف مصدرها من الكتاب والسنة فقد روي عن أبي حنيفة أنه قال لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين قلنا وقال الشافعي إذا صح الحديث فهو مذهبي ولكن خلف من بعدهم خلف وقف بهم جمود الفطنة وقصور الهمم عن اتباعهم وتقليدهم تقليداً أعمى فجعلوا مذاهبهم أصولاً يرجع إليها وأخذوا يتفننون في فرض المسائل واستنباط الأحكام من تلك الأصول فتشعبت الآراء وكثرت الاختلافات واتسعت التآليف في الفقه وأصول الدين على غير أسلوب فصيح من اللغة العربية لا يخالها القاريء إلا رموزاً أو أحاجي يتعاصى فهمها على العربي الصميم. يمضي الطالب واأسفاه زهرة العمر في تحصيلها فلا يخرج من تلك المضايق إلا وقد حشر في مخيلته ضروباً من الاصطلاحات والمسائل متشاكسة متنافرة لا تروي من ظمأ ولا تشفي من علة وإن فهم القرآن والسنة لأسهل بكثير من هذه الشروح والحواشي لأن كلامهما عربي مبين لم يتلوث بالعجمة ولم يتدنس بسقم التركيب والآراء فمن تعلم العربية تعلماً صحيحاً تيسر له الفهم منهما فلا يعاني عشر معشار ما يعانيه في تلك المعجمات (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مذكر).

ثم لم يكفهم ذلك حتى حجروا على الله واسعاً فأرصدوا باب الاجتهاد وأسدلوا بين الأمة وبين كتابها ستراً من الأوهام وحرموها لذة النظر والتدبر في معجزاته فأصبح لا يتلى إلا في المآتم وعلى المقابر (تبركاً) يتأكل به أناس من الكسالى يتغنون به على قارعات الطرق وأبواب المساجد يحرفون الكلم عن مواضعه ويشترون به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون من هنا أيها السادة اقتسم هذا الدين فريقان فريق اطمأنت نفسه إلى القديم فهو يريد أن يرجع