للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالناس القهقرى يحمل أهل القرن الرابع عشر على أن يتخلقوا بأخلاق أهل القرون الوسطى ويحذوا حذوهم في أحكامهم وآرائهم ومدنيتهم فلا يتخطوها قيد شبر يكابرك فيالمحسوسات ويجادلك في الحق وينكر سنة الله في خلقه من أن لكل عصر طوراً من أطوار الحياة يأخذ قسطه من النمو والارتقاء بحسب استعداده أهل ذلك العصر ولذلك كانت نصوص القرآن خصوصاً ما يتعلق منها بالآلاء والأخلاق التي هي أكبر معجزاته مجملة يتناولها أهل كل زمان بقدر ما وصلوا إليه من الرقي.

وفريق رأى من وعورة المسلك وصعوبة الفهم في كتب القوم ما يقطع نياط القلب دون الوصول إلى الغاية وإن كثيراً منها على تشتته وتشويشه لا ينطبق على مقتضيات العصر الحاضر ولا يأتلف مع مدنيته ففرطوا في أمر الدين وأهملوا مجد آبائهم وذهبوا يتلمسون الإصلاح من غيرهما فعبدوا بهرج المدنية الأوربية وصبت إليها نفوسهم حتى أصبح التدين ضرباً من التهوس وسمة من سمات التأخر وساعدهم على ذلك ما رأوا من نظام الغربيين طفرة منهم قد خرجوا من ورطة التقليد الأولى ووقعوا في شر منها فلم يكن من جراء ذلك إلا أنهم قلبوا أوضاع مبانيهم وغيروا من أزيائهم وبدلوا من هيئات مآكلهم وملابسهم وآنيتهم وتنافسوا في أيهم يسبق الآخر في إحكام نظامه إلى أجود ما يكون في البلاد الأوربية وتوغلوا في الإسراف والبذخ وانسابت ميازيب الثروة من أيدي الشرقيين إلى جنوب الغربيين لجلب ما تستدعيه تلك المدنية من الضروريات والزخارف فكسدت بذلك أسواق الصناعات الوطنية ومات أربابها لأنها أصبحت رثة بالية لا تروق في أذواقهم لم تجد معضداً من موسريهم وسراتهم لتنهض من خمولها وتضارع أختها في الغرب كما فعل أهله إبان رقيهم فنخلص من شر ما يضمره لنا المستقبل من الفقر المدقع إن دام هذا السبات لأن ما قريناه من المدنية الكاذبة لم يقم على أساس متين. نعم أنا لا أنكر أن في الأمة الإسلامية كثيراً ممن تعلموا في أوربا فوقفوا على أسباب حياتها وحملوا إلينا شيئاً مما تعلموه ولكن قلَّ أن ترين من هؤلاء مهندساً مخترعاً أو طبيباً مكتشفاً أو عالماً أخلاقياً أو أصولياً مشرعاً وهناك أناس لا يسعون وراء الثروة ويتكلون على الوظائف ومن كان هذا شأنه فمحال أن يعمل لخير بلاده.

قرر علماء الأخلاق والباحثين في أطوار الأمم أن المقلدين في كل أمة المنتحلين أطوار