وفي الثلاثة الأيام الأخيرة من إقامته هناك نظر عن بعد ثلاثة بيوت في ذلك القفر ولم يعلم البعد بينها وبين أقرب عمران وعلم أن المخبأ الذي يختاره الأعمى ليكون فيه لا يتسنى لصحيحي النظر أن يقيموا فيه، ثم قال لماذا لم يسافر كراب إلى مدن الشرق الكبيرة حيث يصادف فرصة أوفق لبيع الماسة، وردد هذا السؤال في خاطره دون أن يهتدي إلى حل مرضي وأخيراً أغمض عينيه وتاه حتى انفجر نوماً عميقاً هادئاً وعندما استيقظ تناول قليلاً من الطعام ثم علا ظهر جواده وسار فعرف بفراسته أن فرساناً آخرين قد تقدموه منزهين في نفس الطريق، فسر بهذا وعلم أيضاً أن الفارس أهداه إلى الصراط المستقيم وكان كلما تقدم يزداد منظر البلاد وحشة وانفراداً، وكان النهر يجري بسرعة شديدة بين مضايق صخرية ثم تصب مياهه المزبدة في مصب بعيد الغور فيسمع لها ضجة شديدة.
وبعد الظهر بقليل وصل كارتر إلى سفح رابية صخرية فهمّ أن يتسلقها وهو راكب وقد ظهرت له آثار على الأرض عرفته أن فرساناً آخرين مروا من هنالك حديثاً، وكانت قمة الرابية جرداء تطل على ما جاورها إلى أمد بعيد فوقف كارتر فجأة لأنه نظر على بعد ثلاثة أميال تقريباً خطاً رفيعاً من الدخان يتصاعد إلى الأفق فقال لعل هنالك مفتشاً عن الذهب أو لعل الطريدة التي ألاحقها قد عادت، وكان كل ما حوله يظهر له واضحاً فأبصر نقطاً متحركة تشبه النمل السائر فظنها هنوداً ولكن هذا لم يكن راجحاً لأن البوليس منذ دخوله إلى تلك البلاد المتوحشة لم يشاهد أكثر من ستة من ذوي الجلود الحمراء فتفرس في هذه النقطة بالعين المجردة لحظة من الزمان ثم تناول منظاره ووضعه على عينيه فوجد أنهم أربعة فرسان يسرعون في المسير جنوباً وإذ لم تكن جهة سيرهم هي الجهة التي ينحوها البوليس تأكد أنهم لا يقتفون آثاره وفضلاً عن ذلك فليس لهم من اللحاق فائدة.
وعندما فكر في هذا عاودته الهواجس فتناول منظاره وبدأ بالتفرس فوجد الأربعة يتدرجون إلى اليمين وينحون في سبيلهم مخاضة على بعد عدة أميال ثم وضع منظاره في جيبه وقد ظهرت على وجهه علائم الاهتمام والتأمل العميق لأنه نظر بين الأربعة وعلى زعامتهم الفارس الذي طلب منه تبغاً وقص عليه ما عرفه عن دونلسون وماتيو.
وكان الجو قد طبق بالغيوم مما دل على قرب هبوب العاصفة فتساءل في نفسه عما يجب