كتابه حذو دعاة الاشتراكية العصرية ممن يستعملون التوكيد والتكرار وسائل في التأثير وقد عقد لذلك فصلاً من ذلك قوله أن المدنيات هي صنع أناس من أرباب الأفكار العالية وسائر الناس معهم تبع ومثل قوله إن التعصب وعدم الاحتمال يصاحبان على الدوام كل شعور ديني وبلا زمان كل من اعتقد أنه ملك ناصية السعادة في الحياة أو في الآخرة وهاتان الصفتان توجدان في كل جماعة تحركت بأحد المعتقدات فقد كان اليعاقبة (اليعقوبيون) زمن الهول متدينين كما كان أهل الاضطهاد متدينين ومنبع حماسة الفريقين في القسوة واحد.
كذلك تظهر معتقدات الجماعات بالخضوع الأعمى والتعصب الوحشي والإكراه في الدعوة وكلها صفات من لوازم الشعور الديني وما البطل الذي تهلل الجماعة له إلا اله في نظرها، هكذا كان نابليون مدى خمسة عشر عاماً ولم يكن لمعبود سواه عباد أشد إخلاصاً من الذين عبدوه ولم يسهل على معبود قيادة النفوس إلى حتفها أكثر منه وما كان لآلهة الوثنية والنصرانية سلطان على القلوب أعز من سلطانه.
إن جميع موجدي الديانات ومؤسسي المذاهب السياسية لم يقيموها إلا لأنهم تمكنوا من إحداث التعصب الذي يجعل الإنسان يرى سعادته في العبادة والطاعة ويهيئه لأن يهب حياته لمعبوده. . . ليس لفاتحي النفوس في هذا الزمان معابد وهياكل لكن لهم صور وتماثيل والعبادة التي يعبدون بها لا تخالف كثيراً ما كانوا به يعبدون ومعرفة فلسفة التاريخ تتوقف على إجادة معرفة هذا البحث في علم روح الاجتماع. . . .
وقال: لا يقوم سلطان الفاتحين وتبنى قوة أعماله على تخيل الأمم ولا تجر الجماعات إلا بالتأثير في ذلك التخيل وكل حوادث التاريخ العظيمة كإيجاد البوذية وتشييد أركان المسيحية والإسلام وقيام البرتستانية والثورة فيما مضى وكإغارة الأفكار الاشتراكية المزعجة في هذه الأيام إنما هي نتائج قريبة أو بعيدة لتأثرات شديدة في تخيل الجماعات، ذلك هو العلة في أن جميع أقطاب السياسة في كل عصر وفي كل أمة حتى أشدهم استبداداً، اعتبروا تخيل أممهم أساساً تقوم عليه قوتهم وما فكروا يوماً في أن يحكموا الناس بدونه.
قال نابليون في مجلس شورى الحكومة (إني أتممت حرب الفندائيين لما تكثلكت واستوليت على مصر إذ أسلمت وتوجت بالظفر في حرب إيطاليا لأني قلت بعصمة البابا ولو كنت