انتاب سورية مرتين في العهد الأخير ولم يعرج على بيروت مع انتشاره كثيراً في صيدا وطرابلس المجاورتين لها وكذلك في دمشق منذ أخذ بعض أهلها يتسربون من ماء الفيجة الطاهر فلو تيسر لسائر مدن سورية مثلاً ما تيسر لنا من الماء النقي كالقدس وعكا ونابلس وطرابلس وصيدا واللاذقية وحمص وحماة وحلب وغيرها من الأمصار لما جاء على سورية ربع قرن إلا وسكانها ضعف ما هم الآن.
هذا في أبسط الأشياء وأقربها تناولاً فما الحال لو تشعبت خطوطها الحديدية عريضة كانت أو ضيقة بحيث لا تخلو قرية فيها خمسة آلاف نسمة من الارتباط مباشرة مع أمهات المدن فحاصبيا وراشيا وقطنا ودومة والنبك والقنيطرة وصلخد وعاهرة والسويداء والعمرانية وسلمية وبصر الحرير وعجلون والسلط والكرك كل هذه القصبات مراكز أقضية مهمة لا اتصال لأكثرها مع حاضرة الولاية إلى على ظهور الدواب والبغال والجمال فلو اتصلت بدمشق مثلاً كما اتصلت الزبداني والبقاع وبعلبك وحمص وحماة ومعان وشمسكين ودرعا إذاً لتوفر عمرانها وغزر سكانها واغتنت أرضها بغلاتها وثمراتها وسهل على البعيد أن يقتني أراضي لا يصل إليها على المطايا إلا في أيام طويلة فيبلغها مع القطار في ساعات.
ومثل ذلك قل عن ولايتي حلب وبيروت ومتصرفيتي القدس وجبل لبنان بل قله عن ولايات طرابلس الغرب واليمن والحجاز والبصرة وبغداد والموصل وديار بكر ومعمورة العزيز وبتليس وقسطموني ووان وارضروم وطرابزون وسيواس وقونية وانقره واطنه وجزائر البحر الأبيض وآيدين وخداوندكار والأستانة وادرنة وسلانيك ومناستر ويانيا وقوصوة واشقودرة ومتصرفيات بنغازي والزور وبيغا وجاتلجه وازميد.
ليس عند الدولة اليوم من الخطوط الحديدية ما يكفي لخمس ولايات فقط وقدروا عدد ما لديها منها بنحو سبعة آلاف كيلومتر تدفع على أكثرها ضمانات كيلومترية كل سنة لا تقل عن ستمائة ألف ليرة ولو كان رجالها في العهد الماضي على شيءٍ من الذمة والعقل لما فادوا بمصلحة أمتهم لقاء منفعة ذاتية تافهة إلى هذا الحد ولكانوا أنشؤوا معظم تلك الخطوط بأيدي شركات عثمانية تستلف من أوروبا ما يقتضي لها من المال بمقابل معتدل تسدده من مداخيل الخطوط التي تمدها فكما لم يعسر على الحكومة العثمانية إنشاء خط حديدي من دمشق إلى المدينة وهو لا يقل عن ألف ومئتي كيلومتر في واد غير ذي زرع لا يصعب