للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التمارين المكتوبة ترقي الانتباه لتأليف الكلام في آونات الفراغ وتمكن صاحبها من العمل بعقله متتابعاً ومن التفكر طويلاً وتضطره إلى إيجاد بعض الأفكار في موضوع معين وتنظيمها والإبانة عنها أحسن إبانة في حين أن التمرين اللفظي يعلم استخدام الذكاء فالتمرين الكتابي هو العمدة لترقية العقل في الأكثر والمرء يتعلم التفكر إذا أخذ يكتب فالصور والحقائق تسير دائماً جنباً إلى جنب في الأشغال العقلية. إنشاءُ الكاتب وفكره متلازمان حتى أنك تشك في التأليف الرديء الإنشاء فيما إذا كان فيه خطأ في الفكر فإذا كانت الجملة رديئة التركيب شرشة الأساليب يستحيل أن يكون الفكر واضحاً على نسق متتابع. فلنعمل إذاً بكل ما فينا من قوة على تحسين إنشاء تلامذتنا فإننا بذلك نربي عقولهم. ومن أعظم الخدم التي نخدمهم بها أن نعلمهم لغة فصيحة ثابتة صريحة لأن مستقبلهم العقلي موقوف عليها. يقولون أن للغة الفرنسية هذه الصفات إلى درجة أمازت بها وحقيق ما يقولون. إن الإدارة حسنة فعلينا أن نعلم الفتيان كيف يحسنون استعمالها. منذ بضع سنين أتى على اللغة الفرنسوية بحران غريب أوشك أن يفسد اللغة وأعني به كثرة الكتابات والاستعارات والظاهر الآن أن هذا الوباء قد كاد يضمحل لولا أننا لم نبرح نعثر على بقايا من هذا المرض في لغة بعض معاصرينا من الكتاب لا يستقل بعددهم. أما نحن فندعو إلى الوضوح في العبارة وأنت ترى أي معنى يجب أن توجه إليه وجهة التمرين على الإنشاء للانتفاع منه انتفاعاً عقلياً فلا ينبغي النظر إلى الصور الجميلة بل إلى الصفات العقلية. فنحن في مبحثنا هذا لا نرمي إلى أن نخرج أدباءَ بل إلى تربية ذهن الطفل بتمرينه عَلَى الإفصاح عن أفكاره بذكاءٍ.

وها قد وصلنا إلى التمرين الذي يقصد به تربية الفكر فإنه لا يكفي حث الدماغ عَلَى العمل بكل الأسباب الممكنة فيمكن أن يفكر المرءُ كثيراً وتكون مادته فائضة أبداً ولا يكون إلا متوسط الذكاء وكل هذا العمل في الدماغ يجب أن يكون منظماً منسقاً متجهاً إلى وجهة واحدة ولكل جهاد فكري غاية والمطلوب أبداً إيجاد شيءٍ من تقرير حقيقة أو البحث عن أحسن واسطة لتحقيق غاية فالواجب من ثم أن نمرن عقلنا عَلَى العمل بصورة نافعة.

يميل الطفل إلى التفكر لهوى في نفسه يتلذذ به فيفرض كيفما اتفق قضايا لا يتعب نفسه في مراقبتها ولا يهتم في الحقيقة للاجتهاد وبهذا يبقى كثير من الناس طول حياتهم في حكم