أولعوا بهذه اللفظة حتى استعملوها في جميع محاوراتهم وجعلوها هجيراهم في مخاطبة الشريف والوضيع والصغير والكبير ولذلك قال محمود الوراق:
كل من حل سر من را من النا_س وممن يصاحب الأملاكا
لو رأى الكلب ماثلاً في طريق ... قال للكلب يا جعلت فداكا
وكذلك لم يجيزوا أن يكتبوا بمثل أبقاك الله وأمتع بك إلا إلى الحرمة والأهل والتابع والمنقطع إليك وأما في كتب الإخوان فغير جائز بل مذموم مرغوب عنه ولذلك كتب عبد الله بن طاهر إلى محمد بن عبد الملك الزيات:
أحلت عما عهدت من أدبك ... أم نلت ملكاً فتهت في كتبك
أم هل ترى أن في التواضع للأخ ... ولمن نقصاً عليك في حسبك
أتعبت كيفك في مكاتبتي ... حسبك مما يزيد في تعبك
إن جفاءً كتاب ذي أدب ... يكتب في صدره وأمتع بك
فكتب إليه محمد بن عبد الملك:
أنكرت شيئاً فلست فاعله ... فلن تراه يخط في كتبك
فاعف ندتك النفوس عن رجل ... يعيش حتى الممات في أدبك
كف أخون الإخاء يالعلي ... وكل شيءٍ أنال من سببك
إن يك جهلاً أتاك من قلبي ... فعد بفضل عليّ في أدبك
وأما صدور السلف كانت من فلان بن فلان إلى فلان كذلك جرت كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العلاء بن الحضرمي وإلى أقيال اليمن وإلى كسرى وقيصر وكتب أصحابه والتابعين كذلك حتى استخلص الكتاب هذه المحادثات من بدائع الصدور واستنبطوا لطيف الكلام ورتبوا لكل رتبةً وجروا على تلك السنة الماضية إلى عصرنا هذا في كتب الخلفاء والأمراء وثبتوا على ذلك المنهاج في كتب الفتوحات والأمانات والسجلات ولكل مكتوب إليه قدر ووزن ينبغي للكاتب أن لا يتجاوز به عنه ولا يقصر به دونه، وقد رأيتهم عابوا الأخوص حين خاطب الملوك بمخاطبة العوام في قوله:
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق الحديث يقول ما لا يفعل
فهذا معنى صحيح في المدح ولكنهم أجلوا أقدار الملوك أن يمدحوا بما يمدح به العوام لأن