كأنهما اكتشفتا حديثاً فكثرت مواصلاتهما وحملت إليهما المدنية والحضارة وجرى تعليمهما واستعمارهما وكان لفرنسا من هذا التحول الغريب حصة موفورة. فقد غير دلسبس بفتحه ترعة السويس شكل الأرض كما أن جول فري بموافقته عَلَى السياسة الاستعمارية قد حاز لنا قسماً كافياً من قسمة الأراضي الجديدة.
وبينما كان الشرق يستدعينا غدا الغرب الغرب ينكرنا ويستغني عنا. فإن مسألة باناما المشؤومة التي جاءت بعد مسألة المكسيك قد أثرت في علاقاتنا مع أميركا الشمالية والجنوبية واستغرقت التدابير الأوربية الكبرى التي اضطررتا إلى مجاراتها فكرنا وقوتنا المادية. وانحطت بحريتنا التجارية فضعفت بضعفها أسبابنا في العمل واحتفظنا بأساليبنا القديمة التجارية فسبقتنا شعوب أكثر منا فتاء وأكثر مضاء وأقل مطالب ومشاعب.
نعم تقدمنا وتأثلنا ولكننا لم نبرح كما كنا في قوتنا على عهد نابليون على حين كانت أميركا بثروتها وقوتها وعظمتها تتقدم تقدماً لا يوصف فقد كان سكان الولايات المتحدة سنة ١٨٧٠ ـ ٣٦ مليوناً أي ما يقرب من سكان فرنسا على التقريب فأصبحوا سنة ١٨٩٠ ـ ٦٣ مليوناً وهاهم يتجاوزون اليوم الثمانين مليوناً. وفي كندا اليوم زهاء ٦ ملايين من السكان وفي الجمهوريات الوسطى والمكسيك ٢٢ مليوناً وأصبحت أميركا الجنوبية ٤٥ مليوناً وكان فيها سنة ١٨٩٠ ـ ٣٥ مليوناً.
وكان مجموع تجارة الولايات المتحدة سنة ١٨٧٠ خمسة مليارات ونصف فرنك فأصبحت اليوم زهاء ١٦ ملياراً وكان مجموع تجارة كندا سنة ١٨٧٨: ٧٥٠٧٩ مليوناً فأصبحت سنة ١٩٠٥ـ ١٩٠٦ مليارين ونصفاً. ومجموع تجارة أميركا الوسطى والمكسيك مليارين ونصف وجمهوريات الجنوب أكثر من أربعة مليارات منها ملياران ونصف للبرازيل ومليار للجمهورية الفضية.
وعلى الجملة فقد بلغ مجموع ما هناك من نفوس ١٦٠ مليوناً من البشر ومجموع التجارة أكثر من ٢٥ مليار فرنك وأحدثت أميركا حركة كبرى في العالم بدخولها مضمار الاتجار فأثرت في فرنسا تأثيراً غير قليل وكانت هذه إلى ذاك التاريخ قريبة لتجارتها من انكلترا أي لها المقام الثاني في التجارة فأصبحت اليوم في الدرجة الرابعة بعد انكلترا والولايات المتحدة وألمانيا. أي أننا فقدنا ما كان لنا من المكانة قديماً فنحن اليوم نريد أن نستعيد