لهم تأْسيس المدنية التي أسسوها في ثلاثة قرون إلا أن تؤسس في عشْرين أو ثلاثين قرناً ـ إن ديناً هذا شأْنه وهو لم يمنع أيضاً من تعلم العلم والفلسفة ليس من الأديان التي لا تنطبق مع روح هذا العصر.
والدين الذي انتشرت كلمته في الآفاق وسلاحه الهداية والرفق بالمستضعفين وحماية العاجزين وجهاد المنافقين والخائنين حتى دانت به أمم كثيرة عن رضى هو دين لم يخرج عن المعقول من استتباع الناس وإرشادهم ومعظم الفتوح التي ينتقدها عليه الناقدون هي للاستعمار ومع هذا لم يحدث فيها من الويلات ما يحدث لأكثر دول التمدن الحديث عندما تهمُّ أن تستعمر قطراً من أقطار الشرق.
وإنا لنرى الغربيين في أحكامهم عَلَى الشرق يخالفون ما يجرون عليه في بلادهم فترى الدول الراقية منهم في آدابها هي التي تحافظ عَلَى دينها فقد رأينا ألمانيا قد احتفظت بالنصرانية المشربة أي البروتستانية ولم تعقها عن سيرها في مدارج الكمال العلمي والصناعي والاجتماعي وكذلك نرى انكلترا تحرص كألمانيا عَلَى تقاليدها القديمة حتى عد الاجتماعيون من حملة ارتقائهم أنهما لم ينبذا الدين كما نبذه رجال فرنسا فكان منه الويلات حاضرها ومستقبلها. وما نظن النصرانية لو أنصفنا أكثر انطباقاً عَلَى قوانين العلم من الإسلام.
ولو قال الأستاذ هرتمن أن حالة المسلمين اليوم لا تنطبق عَلَى الإسلام أمس ولذلك يصعب قيام الإصلاح بينهم لأصاب الغرض بعض الشيء فقد ذكر الطرق الدينية التي تفسد الدين وتقلل من اعتباره في الأنظار ولو أنصفنا ونظرنا إلى من أسسوا تلك الطرق لرأَيناهم عَلَى جانب من الأخلاق الفاضلة والتدين الحقيقي وأكثرهم كانوا من جملة علماء الإسلام العاملين لا المعطلين الجامدين.
وهذا الجمود لم يحدث إلا في القرون المتأخرة بصنع أناس لأخلاق لهم من الملوك أملوا لرؤساء المذاهب والطرق ليتخذوهم ذريعة إلى السياسة كما اتخذ الشاه عباس الصفوي من مذهب الشيعة مستنداً له في سياسته فاستعمل العلماء واسطة للتفريق بين أجزاء الأمة ونشط كل ما أملاه التعصب الذميم وسكت عن كل قصور وكذلك فعل السلطان سليم العثماني وقتل من الشيعة أربعين ألفاً في وقت واحد في الأناضول بحجة دينية والحقيقة أنه