الغرب وهم يرون مئات الفدادين من الأرض تجعل حدائق قد لا يختلف إليها إلا أفراد في حين يهلك مئات الألوف من المحاويج والفقراء ولا من يرحم ضعفهم المادي والصحي أو يرثي لبكائهم وتسبل عَلَى النظر هذه التحف والعاديات التي لا تقدر بثمن وحكومة الجمهورية تفترض مئات الملايين من الفرنكات لسد العجز في ميزانيتها. وهكذا نظام المجتمع الغربي ولعلّ عقول أهله المفكرة تحرر في الأجيال المقبلة الفقير من فقراه أو تقوى عَلَى الأقل عَلَى تعديل هذا النظام الجائر الذي يسلب من كثيرين السبد واللبد ليعمر به قصر البلد ويلعب في حدائقه وساحاته الوالد والوالدة والولد.
مكاتب باريز ومكتباتها
١٩
لو لم يكن في باريز إلا مكتبة الأمة التي حوت في قصرها الفخيم زهاء ثلاثة ملايين كتاب مطبوع ومئة ألف كتاب مخطوط ومليونين ونصف صورة مختومة وألوفاً من الأيقونات والأنواط القديمة وغير ذلك من التحف والآثار ومجاميع الصحف والمجلات لكفاها جالباً للسائحين ولافتاً لأنظار أهل العالمين من العالمين.
مكتبة أسست منذ نحو ستة قرون وملوك فرنسا وعلماؤها وأشرافها يتبارون في أن يجعلوا في كل فرع من فروع العلم واللغات وصنوف المخطوطات والمطبوعات حتى إذا جاء القرن العشرون أصبحت مكتبة الأمة أكبر مكاتب العالم وأهمها بندرة كتبها ومخطوطاتها ففيها من نوادر المخطوطات والمطبوعات العربية ألوف.
اختلفت إليها غير ما مرة ولم أتمكن من مطالعة كل ما أريد لضيق الوقت وضخامة الفهارس وكثرة المؤلفين والناقلين في قاعات المطالعة. وبلغني أن الكتب التي أهديت إلى مكتبة الأمة في العهد الأخير لم يتيسر إدخالها في قوائم الكتب عَلَى كثرة موظفي المكتبة وكادت مطبعة الأمة الأميرية تعجز عن طبع فهارس هذه الخزائن ولا غروفان ما رأَيته منها مطبوعاً إلى عهد ليس ببعيد وحده مكتبة برأْسه ويقضي فيه المرء الساعات ولا يستطيع أن يستوفي النظر الإجمالي.
ولو صرف طالب العلم عمره كله ببحث في مخطوطات مكتبة الأمة ويستعين بمطبوعاتها لما تيسر له أن يأْتي إلا على قسم ضئيل جداً مما حوته في بطنها من معارف البشر ولا