الرومانية بما أتاها من جيوش الرومان وتحرفت لغة الفاتحين فأصبحت اللغة اللاتينية الحقلية وغدت كل أمة غالية مقاطعة برأْسها يرأَسها زعيم وأخذت التجارة والصناعة ترتقي ولولا أنه كان من حق المالك أن يبيع الأرض بفلاحيها وهو الحاكم المتحكم في حياتهم ومماتهم لركن الفلاحون إلى الفرار.
ولما أخذت النصرانية بالانتشار كانت قاصرة على المدن ولم تتعداها إلى الأرياف إلا بعد زمن وكان من فوائد انتشارها أنها أعلنت بأن الأحرار والعبيد سواءٌ أمام الله هذه هي الفائدة الأخلاقية أما الفائدة السياسية والاجتماعية فقد نشأَ منها تأليف طبقة رجال الدين بنظامهم الذي أخذوه عن نظام الحكومة ولم يمض إلا زمن قليل حتى أصبحت الكنيسة حكومة وسط حكومة تجبي أموالاً من الناس ويغدق المؤمنون وأحياناً الإمبراطورة عليها من المال ما تكوّنت منه ثروة طائلة وتعفى أملاكهم من الخراج كما يعفى خدمتها من المحكمة مع الشعب بل كثيراً ما يحاكم الشعب نفسه في الكنيسة ولطالما كان الأسقف في ابرشيتة خصماً للحاكم السياسي ورقيباً عتيداً عليه. ولما سقطت المملكة الرومانية تجزأَت غاليا إلى عدة ممالك بربرية كالفرنك والبورغوند والفيزغوت وعادت كلمة البلاد إلى الانتشار بعد الاجتماع ولم يكن ملوك الفرنك يدركون معنى الوحدة كسائر الملوك البرابرة ولا يقيمون للحكومة وزناً ولئن يلبسون الثياب الأرجوانية ويضعون التيجان عَلَى رؤوسهم كإمبراطور الرومان إلا أنهم لم يكن لهم جيش دائم وليست لهم طريقة منظمة في الجباية كما أن اللغات في البلاد تعددت وكلها لهجات من أصل روماني تمازجها لهجات بربرية وعادت سلطة الأشراف وسلطة رجال الدين تقرى حتى لم يعد يعترف السواد الأعظم من الناس بالزعامة عليه إلا لهم ومنهم يطلبون الإنصاف ولهم يدفعون الجزية والخراج وخربت المدن وهاجر رؤساء الجيش والأديار إلى الحقول وضعفت الصناعة والتجارة باختلال الأمن في البلاد وكاد الفلاح يكون عبداً لسيده كما في سابق الأعصار وفي اليمين الذي أقسم سنة ٨٤٢ في ستراسبورغ ظهرت لأول مرة لغة اشتقت من اللاتينية المستعملة عند الفلاحين ومنها نشأت اللغة الإفرنسية وفي معاهدة فردون سنة ٨٤٣ اعترف بوجود مملكة فرنسا وعاصمتها باريز.
وما زالت الملوك تتوالى عليها وتختلف في المباديء والأطوار حتى قبيل نهاية القرن