ونشؤُه فيها طويل كتاريخ الأدب ويقال على الجملة فيه أن مرسيليا كانت مدة قرون منبعث العلم الوحيد في بلاد غاليا واشتهرت مدرستها كما اشتهرت كليات آثينا وكلية الإسكندرية وكان بيتياس أحد أبنائها الذي ولد نحو سنة ٨٣٠ قبل المسيح لا يقل عن أعاظم الفلكيين في القديم وكانت بيوت العلم تفتح عَلَى العهد الروماني في البلاد المهمة والتعليم فيها عبارة عن مباديء عملية من الحساب والمساحة والبناء ثم جاء دور الانحطاط التام فأصيب الغرب بغارات البربر ولم تخرج فرنسا من ظلماتها الفكرية إلا بعد ثمانية قرون بفضل العرب وبينما كان التمدن الإسلامي بالغاً أوجه كانت العلوم منحطة كل الانحطاط في أرض فرنسا. ولم ينتشر الطب والصيدلة في فرنسا إلا بمساعي أطباء اليهود الذين طردهم المسلمون من آسيا الصغرى في القرن الحادي عشر فاعتصموا باسبانيا أولاً ثم بإقليم لانكدوك حيث أَسسوا عدة مدارس ومن جملتها مدرسة مونبليه. وهذا كان مبدأَ انتشار العلم في هذه الأرض. فمن العرب أخذ الفرنسيس فيما مضى حضارتهم ونحن العرب اليوم نأخذ عنهم وندهش بحضارتهم فسبحان المعز المذل القابض الباسط.
الصحافة الباريزية
٢٥
نشأت الصحافة هنا في مبدأ أمرها بنشر أخبار الملوك والوزارت والموظفين والحروب والدول ثم ارتقت بارتقاءِ المدارك إلى أن صارت تلم بمعظم الموضوعات التي تهم القراء وتعلمهم وعلى عهد الثورة اشتد ولوع الناس بالاطلاع على الحوادث والآراء السياسية وإلى هذا العهد ظلَّ الصحافي في وراء منضدته يكتب ليفيد مثل الأستاذ عَلَى منبره والواعظ في معبده لا يقصد إلا تثقيف عقل وتربية النفس.
ولما تكالبت النفوس على المال واتسع للصحافة المجال بكثرة المواصلات والبرقيات وأخذت التجارة ترقى دخلت الصحافة في طور جديد فبعد أن كانت هي خادمة لتجارة أصبحت هي بنفسها تجارة لا يقصد منها إلا الربح وأول من أنزل أجور اشتراكاتها إميل جيراردين مؤسس جريدة لابريس سنة ١٨٣٦ من ٨٠ أو ٦٦ فرنكاً قيمة الاشتراك بالجرائد الكبرى إلى ٤٠ فرنكاً وهي قيمة زهيدة لا تعادل النفقات أنزلها ليكثر قراؤها وإذا كثر قراء جريدة أقبل الناس عليها بإعلاناتهم ومنشوراتهم فاستطاعت بعض الصحف أن