ولكن هذا الاستقلال وإن لم يكتب لها كلها إلا أن سعيها وراء الإعلانات وخدمة الشركات والبيوت المالية قيدها أكثر من قبل بل أخرجها عن المقصد منها حتى صارت العشرون الجريدة الكبرى الباريزية اليوم عبارة عن سمسار لا يهمه إلا أن يقبض العمالة من البائع والشاري وغدت الجريدة من مقالتها الافتتاحية إلى أنبائها البرقية فرفرف قصصها وتقاريظ الكتب والحوادث الداخلية والخارجية والأنباء المنوعة والمقالات الأدبية والاقتصادية والسياسية والإعلانات والمنشورات وغير ذلك مما تخوض الصحف عبابه مثل أخبار دور التمثيل والرياضيات البدنية والسباق لا ينشر منها اسم ولا سطر إلا قبل أن يذهب صاحبه الذي يهمه وينقد أمين صندوق الجريدة مبلغاً معلوماً عنه وعند ذلك ينشر له من الأفكار والمحامد ما يشاء وتشاء الأهواء.
فإن كتبياً أو طابعاً لا يقدر أن ينشر كتاباً طبعه إلا إذا انتقده كاتب أو عالم كبير وهذا إذا فرض أنه رضي بأن يخدمه بالمجان يسأَله مدير الجريدة عن ربح الإدارة من ذلك. فمقالة في تقريظ كتاب قد تكلف الطابع ألفي فرنك يأخذ نصفها كاتبها الموقعة باسمه والنصف الآخر مدير الجريدة ومثل ذلك يتناولون من المصورين والموسيقيين والممثلين والراقصات والعقيلات والآنسات والأعاظم والأصاغر لا تدون أسماؤهم بالطبع قبل أن يرشوا إدارة الجريدة بمال ترتضيه وكل ما تراه من أخبار الدعوات والرياضيات والمآدب ووصف الأزياء مع بائعات الزهور والجوهريين والخياطات والخياطيين يدفعه أرباب المأدبة وتجار هذه الأصناف بل أن أخبار الأعراس والأفراح وأخبار المناعي والأموات لا تكتب إلا لمن تؤخذ منه أجرتها والأعمال الأدبية مهما بلغ من مكانتها لا تذكر بكلمة قبل أن يدفع صاحبها جعالة لقاءَ ذكر اسمه وهناك الماليون وأرباب التجارة يريدون أن يعبثوا بحوالة الأسواق ويعرفون أن السياسة تؤثر كثيراً في أعمالهم فيعمدون إلى ابتياع الجرائد لتكتب في السياسة عَلَى هواهم فيرفعون الأسعار يوم يريدون الرفع ويخفضونها كذلك بمالهم بواسطة هذه الجريدة من التأثير في الأفكار العامة ومنهم من يبتاع من الجرائد كلامها كما يبتاع منها سكوتها فدار اللعب في إمارة موناكو تدفع مشاهرات إلى جميع الصحف الكبرى لتسكت عما يحدث فيها من ضروب الانتحار والخراب والنجائع التي تنشأ من المقامرة كما تدفع