للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مبالغ جسيمة أيضاً في أوقات معينة لتأخذ الصحف في حمد مرافق مونتكارلو ونزلها ودور تمثيلها وسواحلها وصفاء العيش فيها.

وإن أعظم علماء الاقتصاد لا تنتشر له مقالة في موضوع مالي قبل أن يوافق عليها المصرف الذي ابتاع من تلك الجريدة روحها المالية ليصرفها كما يشاءُ وبعد حادثة بناما التي ظهرت فيها رشاوي الصحف الإفرنسية لم يعد يقدر الإنسان أن يقرأَ سطراً في شأن مالي في جرائدهم إلا ويشك فيه.

وهكذا أصبحت الصحافة الباريزية مقيدة في صورة حرة مطلقة ففي وسعها أن تصرب في كل ما تريد وتنزع كل أَساس وتهاجم كل موضوع وتغتاب كل امريءٍ وتنم عن كل عمل وتفتات عَلَى كل فرد ولا يحظر عليها إلا شيءٌ واحد وهو أن تكشف الغطاء عن الأسرار المالية فإذا فعلت يحكم عَلَى الكاتب والناشر والجريدة بأشد عقوبات العطل والضرر وكذلك إذا دلت عَلَى الطرق الاحتيالية التي يعيش بها المحل الفلاني منذ سنين.

وعَلَى ذلك فالجرائد هنا يجب أن لا تقرأ إلا بحذر شديد حتى مقالات لها في الكيمياء أو التاريخ فإنها لا تنشرها إلا ولها منها مآرب يظهر بعد أعمدة من نفس العدد أو في عدد تال. وخف كل الخوف من الصحف التي تخدم الأحزاب جهازاً فإن هذه تقلب الحقائق الناصعة وتجسم الحوادث أو تضعفها بحسب هواها وتستعمل من السفسطة ما يضحك ويبكي.

فكأن الصحافة الباريزية جعلت لقلب الحقائق لا لقدر أن تسقط فيها عَلَى حقيقة خالصة من الشوائب فهي تزيد إلى ضعف البشر الطبيعي وغلطهم وخطأهم أموراً تأتيها بذاتها بالقصد لتحريف الحق وتشويهه فمنها ما يخضع لحكومة في كل ما يكتب ومنها ما يخضع للأحزاب وكلهم خاضعون لزبنهم وكثير منهم يقولون كل ما يريدون عَلَى شرط أن يحسن المرءُ دفع المطلوب منه. فقد قيل أن الرياء تكريم الرذيلة للفضيلة والصحف الفرنسوية تكرم الحقيقة من هذا النوع أي أنها هي الرذيلة.

هذا ما اقتبسته من فكر الكاتب الفرنسوي في هذا الباب وصاحب الدار أدرى بالذي فيه وقد أجمع العقلاء الذين لقيتهم من أهل العلم والمطبوعات وغيرهم عَلَى أن الصحافة الفرنسوية كلها ترتشي وتلفق في أحاديثها وتكذب في رواياتها ما عدا جريدة لاومانيته أي الإنسانية