كالبلجيك وهولاندة أو غيرهما من مقاطعات فرنسا البعيدة ليعتادوا الاستغناء عن الرفاهية ويحسنوا التخلص عند الحاجة من مشاكل الأحوال التي كثيراً ما تصادف الإنسان في حياته وذلك أيضاً ليتحملوا بصبر وحسن خلق معاكسات الوقت ونكد الأيام وتنوثق عرى المحبة بينهم ففي عيد الفصح تنقسم المدرسة ثلاث فرق بحسب سن التلامذة المؤلفة منهم فتذهب كل واحدة في جهة خمسة أيام وكل من حسنت أخلاقه ودروسه يرحل به أيضاً كل ثلاثة أشهر مرة أو مرتين يوماً أو بعض يوم إلى مكان بعيد وللمدرسة في فصل الصيف شهران أيضاً عطلة فتكون عطلتها السنوية من حيث المجموع ثمانين يوماً وتستوفي المدرسة أجرة من كل طالب إلى سن الحادية عشرة ٢٥٠٠ فرنك فإذا تجاوز هذا السن تأخذ منه ثلاثة آلاف يدخل في ذلك أكثر حاجاته ما عدا بعض الدروس كالرقص والموسيقى والرسم فإنه يدفع أجرتها عَلَى حدة. وهو مبلغ كبير بالنسبة لأهل بلادنا ولكنه لا يستكثر في مدرسة مثل هذه النفقات الطائلة عَلَى الأساتذة والعيشة والرحلات ويطبق فيها العلم عَلَى العمل وتربى الحواس بالعمل أكثر من تربية الذاكرة.
حدثني أحد أساتذة المدرسة قال كان فكر مؤسسيها ديمولانس أن تكون عَلَى الطريقة الإنكليزية المحضة ولكن لم تمض حتى انقلبت أوضاع الدروس والرياضات إلى ما يشبه الطريقة الفرنسوية لأن ما توهمه ديمولانس من أنه يمكن تطبيقه في بلاد قد غإلى فيه كثيراً ولو كان حياً_مات منذ نحو سنتين_لرجع عن كثير مما نعاه عَلَى قومه وعد عدمه نقصاً في تربيتها وسبباً في ضعفها. وهو قول حق سديد لأن ما يوافق أمة لا يطبق بالحرف عَلَى أخرى وللعادة والمحيط والتقاليد دخل كبير في أوضاع الأمة عَلَى أن هذه النغمة قد أفادت فرنسا وغيرها بلا شك وأطلعت الشرق عَلَى التربية الفرنسوية مع ما هي عليه من الحسن هي في رقيها دون التربية الإنكليزية السكسونية من وجوه وإن كانت هذه دونها من وجوه ولعل بلادنا تستفيد من كل ذلك عبرة.
تقدم أن تلامذة مدرسة لياكنور هم من الفرنسيس وخليط من البرتقاليين والأميركان والإنكليز والمصريين وهكذا شأن معظم المدارس في فرنسا ولاسيما في كلياتها الجامعة فلا يتعلم فيها الطلبة من الذكور فقط بل يتعلم فيها الطالبات من الإناث وإني لا أذكر أنني حضرت خطبة أو درساً أو مجلساً علمياً ولا زرت متحفاً ولا مطبعة ولا إدارة جريدة إلا