ورأيت الفتيات سبقنني إلى تلك الأمكنة ومعظمهن روسيات وإنكليزيات وألمانيات وبلقانيا وبولونيات. والبولونيات أكثر الفتيات الأجنبيات في فرنسا وأكثرهن عناية بتعلم اللغات الأجنبية حتى أن الواحدة منهن لتكلمك فلا تحسبها إلا فرنسوية لكثرة إتقانها للغة الفرنسوية وإجادتها النطق بها مما لا يكاد يتيسر مثله لغريبة ولا لغريب عن اللغة وهن مع هذا أكثر النساء الأوربيات تفانياً في أحكام ملكة لغتهن وحرصاً عَلَى آدابها وتلقينها.
ولقد كانت المرأة البولونية تعلم أولادها لغتهم في الغابات والحقول عندما كانت الحكومة الروسية تحظر عليه إلى قبل بضع سنين تعلم لغتهم لتجعلهم روساً مع الزمن فلما دالت دولة الجهل ونال البولونيون كسائر العناصر السلافية بعض حريتهم عقيب إنشاء الدوما الأولى كان من البولونيون أن فتحوا في شهر واحد في البلاد التي وقعت منذ قرن ونصف تحت سلطة الروس زهاء أربعة آلاف مدرسة يعلمون فيها العلوم العالية والدروس المنوعة بلغتهم ولم ينقصهم أساتذة ولا أعوزهم بالطبع التلامذة.
فالمرأة البولونية وإن عنيت بتعليم اللغات الأجنبية عنها تحتفظ بلغتها ووطنيتها احتفاظاً أسأل الله أن يرزقنا نحن بعضه حتى أنها إذا تزوجت من أجنبي لا تلبث أن تصبغ أولادها بصبغتها بحيث اضطر بسمارك أن يسن في عهده قانوناً يحظر فيه عَلَى الضباط الألمان أن يتزوجوا من البولونيات إذ ثبت له أن الوطنية الألمانية كادت تضعف ويعروها الانحلال في القسم الذي أصاب مملكة بروسيا من إرث صاحب بولونيا.
فيا ليت شعري متى يكون نساؤنا بل رجالنا في هذه المنزلة من صحة الوطنية مع الحرص عَلَى الجامعة العثمانية التي هي عدتنا في شدتنا وبدون هذه الجامعة السياسية لا يرجى لنا بقاء بعد الذي رأيناه من تكالب الغرب عَلَى الشرق فنحن إن أنصفنا لا ننزع من يدنا من الجماعة لأن يد الله مع الجماعة ومن رأى كيف كانت حالة سويسرا وألمانيا والولايات المتحدة قبل الوحدة السويسرية والألمانية والأميركية يدرك سر الاجتماع والتعاضد ويعرف أن المركب الكبير يستحيل أن تأتي عليه الأنواء بقدر ما تضر بالصغير فقد يغرق هذا أو يستغرق في غيره ولا من يسمع به.
تعلمنا أوروبا وأمريكا كل يوم معنى من معاني الوطنية والجامعات الجنسية فإن كان بعض الاجتماعيين يدعون اليوم إلى إنشاء جامعة أوروبية واحدة وبعضهم إلى إنشاء جامعة