قذف ما يوسوسون به في النفوس، برهان ذلك قول الله تعالى من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس ونحن نرى الإنسان يرى ما له عنده ثأر فيضرب وتتبدل أعراضه وصورته وأخلاقه وتثور ناريته، ويرى من يحب فيثور له حال أخرى ويبتهج وينبسط، ويرى من يخاف فتحدث حال أخرى من صفرة ورعشة وضعف نفس، ويشير إلى إنسان آخر بإشارات يحيله أيضاً بالكلام إلى جميع هذه الأحوال فعلمنا أن الله عز وجل جعل للجن قوى يتوصلون بها إلى تغيير النفوس والقذف فيها بما يستدعونه إليه نعوذ بالله من الشيطان الرجيم ووسوسته ومن شرار الناس وهذا هو جريه من ابن آدم مجرى الدم كما قال الشاعر:
وقد كنت أجري في حشاهن مرة ... كجري معين في قصب الآس
(وأما الصرع) فإن الله عز وجل قال كالذي يتخبطه الشيطان من المس فذكر عن وجل تأثير الشيطان في الصروع إنما هو بالمماسة فلا يجوز لأحد أن يزيد على ذلك شيئاً ومن زاد على ذلك شيئاً فقد قال ما لا علم له به وهذا حرام لا يحل قال عز وجل ولا تقف ما ليس لك به علم وهذه الأمور لا يمكن أن تعرف البتة إلا بخبر صحيح عنه صلى الله عليه وسلم ولا خبر عنه عليه السلام بغير ما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق فصح أن الشيطان يمس الإنسان الذي يسلطه الله عليه مساً كما جاء في القرآن يثير به من طبائعه السوداء والأبخرة المتصاعدة إلى الدماغ كما يخبر به عن نفسه كل مصروع بلا خلاف منهم فيحدث الله عز وجل له الصرع والتخبط حينئذ كما نشاهده وهذا هو نص القرآن وما توجبه المشاهدة وما زاد على هذا فخرافات من توليد العزامين والكذابين وبالله تعالى نتأيد اهـ كلام ابن حزم.
الفخر الرازي
قال في مباحث الاستعاذة من أوائل تفسيره: أطبق الكل على أنه ليس الجن والشياطين عبارة عن أشخاص جسمانية كثيفة تجيء وتذهب مثل الناس والبهائم بل القول المحصل فيه قولان (الأول) أنها أجسام هوائية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة لها عقول وإفهام وقدرة على أعمال صعبة شاقة (والقول الثاني) أن كثيراً من الناس أثبتوا أنها موجودات غير متحيزة ولا حالة في التحيز وزعموا أنها موجودات مجردة عن الجسمية (قالوا) وهذه الأرواح قد تكون مشرقة إلهية خيرة سعيدة وهي المسماة بالصالحين من الجن. وقد تكون