كدرة سفلية شريرة وهي المسماة بالشياطين (ثم قال) واعلم أن قوماً من الفلاسفة طعنوا في هذا المذهب وزعموا أن المجرد يمتنع عليه إدراك الجزئيات والمجردات يمتنع كونها فاعلة للأفعال الجزئية: وهذا باطل لوجهين (الأول) أنه يمكننا أن نحكم على هذا الشخص المعين بأنه إنسان وليس بفرس والقاضي على الشيئين لا بد وأن يحضره المقضي عليهما فههنا شيء واحد هو مدرك للكلي وهو النفس ويلزم أن يكون المدرك للجزئي هو النفس (الثاني) هب أن النفس المجردة لا تقوى على إدراك الجزئيات ابتداء لكن لا نزاع أنه يمكنها أن تدرك الجزئيات بواسطة الآلات الجسمانية فلم لا يجوز أن يقال أن تلك الجواهر المجردة المسماة بالجن والشياطين لها آلات جسمانية من كرة الأثير أو من كرة الزمهرير ثم أنها بواسطة تلك الآلات الجسمانية تقوى على إدراك الجزئيات وعلى التصرف في هذه الأبدان.
وأما الذين زعموا أن الجن أجسام هوائية أو نارية فقالوا أن الأجسام متساوية في الحجمية والمقدار وهذان المعنيان لأعراض فالأجسام متساوية في قبول هذه الأعراض، والأشياء المختلفة بالماهية لا يمنع اشتراكها في بعض اللوازم فلما لا يجوز أن يقال الأجسام مختلفة بحسب ذواتها المخصوصة وماهياتها المعينة وإن كانت مشتركة في قبول الحجمية والمقدار وإذ ثبت هذا فنقول لم لا يجوز أن يقال أحد أنواع الأجسام أجسام لطيفة نفاذة حية لذواتها عاقلة لذواتها قادرة على الأعمال الشاقة لذواتها وهي غير قابلة للتفرق والتمزق وإذا كان الأمر كذلك فإن تلك الأجسام تكون قادرة على تشكيل أنفسها بأشكال مختلفة ثم أن الرياح العاصفة لا تمزقها والأجسام الكثيفة لا تفرقها، أليس أن الفلاسفة قالوا أن النار التي تنفصل عن الصواعق تنفذ في اللحظة اللطيفة في بواطن الأحجار والحديد وتخرج من الجانب الآخر فلم لا يفعل مثله في هذه الصورة، وعلى هذا التقدير فإن الجن تكون قادرة على النفوذ في بواطن الناس وعلى التصرف فيها وأن تبقى حية فعالة مصونة عن الفساد إلى الأجل المعين والوقت المعين، فكل هذه الأحوال احتمالات ظاهرة والدليل لم يقم على إبطالها فلم يجز المصير إلى القول بإبطالها.
(ثم قال الرازي) اع لم أن الإنسان إذا جلس في الخلوة وتواترت الخواطر في قلبه فربما صار بحيث كأنه يسمع في داخل قلبه ودماغه أصواتاً خفية وحروفاً خفية فكأن متكلماً يتكلم