للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معه ومخاطباً يخاطبه فهذا أمر وجداني يجده كل أحد من نفسه. ثم اختلف الناس في تلك الخواطر فقالت الفلاسفة أن تلك الأشياء ليست حروفاً ولا أصواتاً وإنما هي تخيلات الحروف والأصوات وتخيل الشيء عبارة عن حضور اسمه ومثاله في الخيال وهذا كما إنا إذا تخيلنا صور الجبال والبحار والأشخاص فأعيان تلك الأشياء غير موجودة في العقل والقلب بل الموجود في العقل صورها وأمثلتها ورسومها وهي على سبيل التمثيل جارية مجرى الصورة المرتسمة في المرآة فإنا إذا أحسسنا في المرآة صورة الفلك والشمس والقمر فليس ذلك لأجل أنه حضرت ذوات هذه الأشياء في المرآة فإن ذلك محال وإنما الحاصل في المرآة رسوم هذه الأشياء وأمثلتها وصورها. وإذا عرفت هذا في تخيل المبصرات فاعلم أن الحال في تخيل الحروف والكلمات المسموعة كذلك فهذا قول جمهور الفلاسفة،

ولقائل يقول هذا الذي سميته بتخيل الحروف والكلمات هل هو مساو للحرف والكلمة في الماهية أولاً فإن حصلت المساواة فقد عاد الكلام إلى أن الحاصل في الخيال حقائق الحروف والأصوات وإلى أن الحاصل في الخيال عند تخيل البحر والسماء حقيقة البحر والسماء_وإن كان الحق هو الثاني وهو أن الحاصل في الخيال شيء آخر مخالف للمبصرات والمسموعات فحينئذ يعود السؤال وهو أنا كيف نجد من أنفسنا صور هذه المرئيات وكيف نجد في أنفسنا هذه الكلمة أو العبارة وجداناً لا نشك أنها حروف متوالية على العقل وألفاظ متعاقبة على الذهن فهذا منتهى الكلام في كلام الفلاسفة.

أما الجمهور الأعظم من أهل العلم فإنهم سلموا أن هذه الخواطر المتوالية المتعاقبة حروف وأصوات حقيقية.

واعلم بأن القائلين بهذا القول قالوا فاعل هذه الحروف والأصوات إما ذلك الإنسان أو إنسان آخر وإما شيءٌ آخر روحاني مباين يمكن إلقاء هذه الحروف والأصوات إلى هذا الإنسان سواء قيل أن ذلك المتكلم هو الجن والشياطين أو الملك وأما أن يقال خالق تلك الحروف والأصوات هو الله تعالى (أما القسم الأول) وهو أن فاعل هذه الحروف والأصوات هو ذلك الإنسان فهذا قول باطل لأن الذي يحصل باختيار الإنسان قادر على تركه فلو كان حصول هذه الخواطر بفعل الإنسان لكان الإنسان إذا أراد فعلها أو تركها لقدر