وقد نهبت عرب لواتة شيئاً فشيئاً منها أغرب المقريزي في وصفه ثم قال: إن عبيدهم وإماءهم أخذوا جلوها برسم عمل ما يلبسونه في أرجلهم وأحرقوا ورقها تاولاً منهم أنها خرجت من قصر السلطان أعز الله أنصاره وإن فيها كلام المشارقة الذي يخالف مذهبهم سوى ما غرق وتلف وحمل إلى سائر الأقطار وبقي منها ما لم يحرق سفت عليه الرياح التراب فصار تلالاً باقية إلى اليوم بناحية آثار تعرف بتلال الكتب.
هذا عدا خزائن القصر الداخلة التي لا يتوصل إليها أحد وعدا خزائن دار العلم بالقاهرةوهي مماثلة لما نسميه اليوم أكاديميا أو كما يقول صاحب كشف الظنون وابن أبي أصيبعة قبله:(أقاذيميا) وسوى خزانة المارستان العتيق وقد بقيت إلى أن بيعت في أيم صلاح الدين فاشترى القاضي الفاضل وحده منها مائة ألف كتاب مجلد وأودعها في المدرسة التي أنشأها بالقاهرة. وفضل القاضي الفاضل ومكانته في الدولة الأيوبية يدلان على أنه اختار أفضل الكتب وأحسنها ولكنها ذهبت بها الأيام أيضاً فإن الغلاء لما وقع بأرض مصر سنة ٦٩٤ صار طلبة هذه المدارس يبيعون كل مجلد برغيف من الخبز. وبقيت منها بقية تداولتها أيدي الفقهاء بالعارية وكان فيها مصحف اشتراه القاضي الفاضل بنيف وثلاثين ألف دينار على أنه مصف الخليفة عثمان وكان في خزانة مفردة له غربي المحراب. وهذا القاضي الفاضل كان يقتني الكتب ومن كل فن ويجتلبها من كل جهة وله نساخ لا يفترون ومجلدون لا يبطلون. وقد بلغ مجموع كتبه قبل موته بعشرين سنة ١٢٤٠٠٠ مجلد طلب ابنه مرة أن يقرأ ديوان الحماسة وتوسل إلى ذلك ببعض المقربين لديه فأمر القاضي الفاضل فأحضر له خازنه ٣٥ نسخة فصار ينفضها واحدةً واحدة ويقول هذا بخط فلان وهذه بخط فلان حتى أتى على الجميع ثم قال: ليس عندي ما يصلح للصبيان وأمر بشراء نسخة بدينار لولده وقد أحضرت مجموعة رسائله في جملة ما أحضرته من الكتب.
وقد بقي بعض الكتب من آثار الفاطميين في مصر وزاد عليها المماليك وجعلوا لها خزانة عمومية ولكنها احترقت في سنة ٦٩١ فتلف بها من الكتب الفقه والحديث والتاريخ وعامة العلوم شيءٌ كثير جداً كان من ذخائر الملوك. والذي نجا من النار انتهبه الغلمان وباعوه