للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان هذا الغرام عاماً في مصر وفي جميع بلاد المشرق. وخصوصاً في الممالك الخاضعة لصولجان صاحب التاج في القاهرة. التي كانت عاصمة للإمبراطورية المصرية. والشواهد كثيرة على هذا الولوع وحسبي أن أذكر لكم اسماً واحداً من باب التدليل. وهو أبو الفدا سلطان حماة وصاحب التاريخ المشهور بالمختصر في أخبار البشر وصاحب الجغرافيا المسماة بتقويم البلدان الذي طبع وترجم في باريس قد مع في خزانته من الكتب ما لا يزيد عليه في خدمته ما يناهز مائتي معمم من الفقهاء والأدباء والنحاة والمنجمين والفلاسفة والكتبة.

ولو أردت أن أستقصي ما أعرفه عن الكتب وغرام المولعين بها أيام كانت الحضارة الإسلامية زاهية زاهرة لطال المقام ولم تكفني الأيام تتلوها الأيام.

وقبل الختام أذكر لكم قضية وقعت بمصر وهي من أغرب ما سطرته سجلات القضاء.

وقفت على كتاب اسمه كنز الدرر وجامع العبر لأبي بكر بن عبد الله بن أيبك الدوادار وهو في تسعة أجزاء ثلثاها بمكتبة آيا صوفيا والثلث الباقي بمكتبة طوب قبو بالقسطنطينية وهو في تاريخ مصر وفيه تفصيل غريب وبيان واف لا نراه في التواريخ التي وقعت إلينا. وليس هذا محل الشرح عن هذا السفر الجامع النافع. وقد كان هذا الكتاب موقوفاً على إحدى المدارس بالقاهرة فاغتصبه بعض الأكابر وأوقفه على مدرسته وقفاً صحيحاً شرعياً مرعياً فأقيمت عليه قضية بمجلس الحكم وحصلت المرافعة والمدافعة ثم اصدر القضاة حكمهم ببطلان الوقف الثاني وإعادة الكتاب إلى مقره الأول باسم واقفه الأول. وقد قضت الأيام ببطلان هذين الوقفين وبانقسام الكتاب إلى شطرين وفي خزانتين ولكن في غير مصر.

إن العرب في اجتماع أهل الفضل في دور الكتب كانوا مقلدين لليونانيين في أثينة وللرومانيين في رومية وكل منهما قد نهج على سنة أجدادنا المصريين.

أول من مدح الكتب على ما أنبأ به التاريخ الصحيح هو أول من أسس لها داراً خصوصية بديار مصر وجعل منفعتها عمومية.

أنا لا أجاري بعض الغلاة من العرب ومن أربى عليهم من المتهوسين الألمانيين الذين قالوا بوجود دور الكتب قبل حدوث الطوفان وأخذوا يتصيدون الأقاويل من هنا ومن هناك