للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقيمون الدلائل على غي طائل محتجين على ذلك بتعليم آدم الأسماء وبالأعمدة التي نقشها شيث وبالصحف التي نزلت على إدريس ويكفينا أن نقنع بما هو وراء ذلك وهو قديم بل قدموس حتى لا نخوض بحور الخيال ونهيم في أودية الأوهام. حسبنا أن نرجع إلى ما هو قبل اليوم بأكثر من ٣٢٠٠ سنة فهنالك نصل إلى التاريخ الثابت المنقوش على الأحجار وهو مما لا جدال فيه ولا مراء. فتلك الأطلال الماثلة إلى الآن في صعيد مصر تنطق بلسان هيروغليفي مبين وتقول أن أوسيماندياس فرعون مصر الذي سماه اليونان سيزوستريس ورمسيس الثاني هو أول من أسس دار الكتب في مدينة طيبة بالصعيد وهو أول من مدح الكتب بعبارة وصلت إلينا. وذلك أنه نقش على باب تلك الدار كلمتين اثنتين جعلهما رمزاً عليها وتلخيصاً لكل ما فيها وهما:

(شفاء الأرواح).

ولعمري أن هاتين الكلمتين هما أبلغ من كل ما جادت به القرائح بعده في شرق البلاد وغربها وما هو مأثور عن عجم الأمم وعربها.

وعن المصريين اقتبس اليونان علومهم ومعارفهم ونظامهم ولكنهم لما جاء الدور لهم لم يتيسر لهم إنشاء مكتبة عمومية إلا بعد الفرعون المصري بربوات من السنين لا تقل عن الخمسة قرون وذلك أن طاغية بيسترات هو أول من أحدث بمدينة أثينس (أي أثينا) داراً من هذا القبيل لاستفادة الخاص والعام وكان ذلك قبل القرن السادس للميلاد وجمع فيها أشعار أوميروس بعد أن تلقفها من أفواه الرواة كما كان شأن العرب من بعده باثني عشر قرناً في أيام بني أمية وبني العباس. وما لبثت هذه الدور أن انتشرت بأرض اليونان كما يشهد بذلك بيت قال شاعرهم ارسطوفان:

وفي يد كل إنسان كتاب ... يلقنه أفانين العلوم

وتولع اليونان بجمع الكتب والحث عليها لدرجة لا تكاد تكون محمودة: دخل حاكم إلى مدرسة النحو بأثينا فطلب من الأستاذ نسخة من ديوان أوميروس. فأعلمه المعلم بعدم وجودها فما كان من الحاكم في هذا الإهمال إلا أن صفعه وخرج.

ثم تهوس القوم بجمع الكتب من غير استفادة أو إفادة حتى رأى أديبهم لوسيان الشميشاطي أن يكتب رسالة بليغة في هجو رجل جمع من الكتب طائفة وفيرة لمجرد الاشتهار بأنه