الغرب يعملون على هذه السنة الآن في ألمانيا وفرنسا وإنكلترا وإيطاليا وهولاندة وإسبانيا والروسيا وسائر بلاد أوربا وأميركا ولا أمل لي إلا أن أرى أهل مصر يشاركونهم فهم أحق بتراث أجدادهم ولا يكون ذلك ولن يكون إلا بالعناية بالكتب.
هل أتاكم حديث فرنسا وناهيكم بها في العلم والحضارة والعرفان؟
إنها مدينة لمصر الإسلامية بدينين عظيمين في إنشاء دور الكتب العمومية.
أولهما يرجع إلى أيام الحروب الصليبية. فإن الملك القديس لويس وهو التاسع بهذا الاسم شن الغارة على مصر في أول دولة المماليك البحرية ثم عاد أدراجه مهزوماً ولكنه رجع ظافراً بفكرة حميدة ومأثرة جميلة. وهي أن اقتبس عن أجدادنا فكرة جمع الكتب بعضها مع بعض في دار واحدة وفتحها في وجه الجمهور لينتفع بها الخاصة والعامة.
اترك الكلام لكاتب سيرته وإمامه في صلواته فقد قال ما خلاصته:
إن الملك الورع التقي لويس وصل إلى سمعه وهو فيما وراء البحار أن سلطاناً من سلاطين الشرقيين يبذل عنايته في البحث عن الكتب المختلفة الأنواع وفي استنساخها على نفقته ثم يضعها في دار عمومية ليستفيد من مراجعتها علماء بلاده فإنه كان يجعل هذه المجاميع تحت تصرف جميع الطالبين. فأراد القديس لويس أن يتشبه بهذا السلطان وعزم على بذل المال بمجرد عودته إلى فرنسة لنسخ الأسفار النافعة وصحاح الكتب المقدس التي يتأنى له العثور عليها في الأديار ليتمكن هو ورعاياه العاكفون على علوم الأدب من درسها وحرثها للانتفاع بها وأفاد الجار والقريب بمعارفهم وقد أنجز هذا القصد فأمر بإعداد مكان لائق أمين في باريس جمع فيه كثيراً من تصانيف القديس أغسطينوس وأمبرواز وجيروم وغريغوار وبقية أئمة المذهب الأرثوذكسي. وكان يذهب في أوقات الفراغ للقراءة في هذا المكان ويسمح لغيره عن طيبة خاطر بمشاركته في مناجاة المؤلفين. وكان يؤثر استنساخ الكتب على شراء أصولها لأن ذلك في رأيه من شأنه أن يزيد في عدد الكتب المقدسة ويجعلها أكثر فائدة. وكان حينما يقرأ في تلك الكتب بمحضر من خدمه وحشمه الذين لا يفهمون اللاتينية يترجم لهم بالإفرنسية ما لا يدركونه من العبارات.
غير أنه في آخر عمره أصابه دخل في عقله فبدد شمل تلك المجموعة وأمر في وصيته بتوزيع الباقي على الأديار.