ونحن نعلم أن النويري المصري صاحب كتاب نهاية الرب في فنون الأدب كان من يكتب في اليوم والليلة ثلاثة كراريس أي ستين ورقة. فلم يبلغ شأو هذا المتقدم مع أن جميع المؤرخين يعجبون بابن وطننا الذين سترون أثره الجامع لكل العلوم والمعارف في السنة المقبلة إن شاء الله.
كل هذه الأعمال وهي قطرة من بحر تدلكم على مقدار الغرام بالكتب وأنه إذا استولى على العقل فلا يجد المدنف العاشق لذة في شيء آخر. وهذا الغرام ليبس قاصراً على الشرق أو على الغرب بل هو داء مستحكم في نفوس الناس على اختلاف الأوطان والأديان والأجناس.
نرجع إلى ذكر السرفات في الكتب وأروي لكم حادثتين وقعت إحداهما لرجل من أفاضل الإسكندرية وكان للثانية شأن كبير بالجامع الأزهر في القاهرة.
فمن الرجال الذين يحق للإسكندرية أن تفتخر بأنها أنجبتهم أبو الفتح نصر بن عبد الرحمن الإسكندري النحوي الجغرافي ألف كتاباً فيما اختلف وائتلف من أسماء البقاع وقد ضبطه وافنى في تحصيله وتحقيقه عمره فأحسن فيه كل الإحسان فجاء أبو بكر زين الدين محمد بن موسى الهمداني المشهور بالحازمي المتوفى سنة ٥٨٤ فسطا عليه برمته وادعاه واستجهل الرواة فرواه نبه على ذلك ياقوت الحموي في صدر معجم البلدان بقوله: ولقد كنت عند وقوفي على كتابه أرفع قدره من علمه وأرى أن مرماه يقصر على سهمه إلى أن كشف الله من خبيئته وتمحض المحض عن زبدته أقول أنه رغماً عن التنبيه ما زال الكتاب مشهوراً باسم السارق فإن صاحب كشف الظنون لم يذكر غيره وسماه كتاب ما اتفق لفظه واختلف مسماه في الأماكن والبلدان المشتبهة في الخط. وعلى كل حال فالكتاب لم يصل إلينا.
وأما الحادثة الثانية فقد وقعت في القاهرة في ختام القرن التاسع للهجرة. وذلك أن الإمام شهاب الدين أبا العباس أحمد بن محمد القسطلاني المصري المتوفى سنة ٩٢٣ ألف في السيرة النبوية كتبه المشهور المتداول بيننا الآن وهو المواهب اللدنية بالمنح المحمدية فما راعه بعد أن فرغ تبييضه في سنة ٨٩٩ إلا وقد رفع جلال الدين السيوطي دعوى عليه