للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والجرأة عزماً والجبن تأنياً والإسراف جوداً والإمساك تقديراً فلا تكاد ترى عاقلاً ولا موقراً للرؤساء ناصحاً للأقران مواتياً للإخوان متحزراً من الأعداء غير حاسد للأصحاب ولا مخادع للأحباب لا يتحرش بالأشرار ولا يبخل في الغنى ولا يشره في الفاقة ولا ينقاد للهوى ولا يجمح في الغضب ولا يمرح في الولاية ولا يتمنى ما لا يجد ولا يكتنز إذا وجد ولا يدزخل في دعوى ولا يشارك في مراء ولا يدلي بحجة حتى يرى قاضياً ولا يشكو الوجع إلا عند من يرجو عنده البرء ولا يمدح أحداً إلا بما فيه لأن من مدح رجلاً بما ليس فيه فقد بالغ في هجائه ومن قبل المدح بما لم يفعله فقد استهدف للسخرية. والعاقل يكرم على غير حال كالأسد يهاب وإن كان رابضاً وكلام العاقل يعتدل كاعتدال جسد الصحيح وكلام الجاهل يتناقض كاختلاط جسد المريض وكلام العاقل وإن كان نزراً خطوة عظيمة كما أن مقارنة المأثم وإن كان نزراً مصيبة جليلة ومن العقل التثبت في كل عمل قبل الدخول فيه وآفة العقل العجب بل على العاقل أن يوطن نفسه على الصبر على جار السوء وجليس السوء فإن ذلك مما لا يخطيه على ممر الأيام ولا يجب للعاقل أن يحب أن يسمى به لأن من عرف بالدهاء حذر ومن عقل عاقل دفن عقله ما استطاع لأن البذر وإن خفي بالأرض أياماً فإنه لا بد من ظاهر في أوانه وكذلك العاقل لا يخفى عقله وإن أخفى ذلك جهده وأول تمكن المرء من مكارم الأخلاق هو لزوم العقل اهـ.

ومن الحكايات التي ساقها قوله: سمعت إسحق بن أحمد القطان البغدادي يتيسر يقول: كان لنا جار ببغداد نسميه طبيب القراء كان يتفقد الصالحين ويتعاهدهم فقال لي: دخلت يوماً على أحمد بن حنبل فإذا هو مغموم مكروب فقلت: مالك يا أبا عبد الله. قال: خير. قلت: ومع الخير. قال: امتحنت وبتلك المحنة حتى ضربت ثم عالجوني وبرأت إلا أنه بقي في صلبي موضع يوجعني هو أشد عليّ من ذلك الضرب. قال: قلت اكشف لي عن صلبك. قال: فكشف لي فلم أر فيه إلا أثر الضرب فقلت: ليس لي بذي معرفة ولكن سأستخبر عن هذا قال: فخرجت من عنده حتى أتيت صاحب الحبس وكان بيني وبينه فضل معرفة فقلت له: ادخل الحبس في حاجة قال: أدخل فدخلت وجمعت فتيانهم وكان معي دريهمات فرقتها عليهم وجعلت أحدثهم حتى أنسوا بي ثم قلت: من منكم ضرب أكثر قال: فقلت له اسالك عن شيءٍ فقال: هات فقلت: شيخ ضعيف ليست صناعته كصناعتكم ضرب على الجوع