لآخر بعض نقط من اللبن كأنه يشير إلى إرقاد التراب الثائرة ثم يعقبه قسيس متشح بجلد النمر ينثر بملعقة من الذهب العطر على جموع الخلق_ومن خلفه يأتي النعش وهو على شكل سفينة أسورس فيها نائحتا أسيس ونفتيس وفي مقعدها المحكم الوضع قد وضعت جثة الميت محجوبة عن العيون وحولها زوجته وأولاده يليهم أحبابه بأفخر الملابس وبيد كل واحد عصا يتوكأ عليها ثم يأتي جيران الميت سائرين بدون نظام وعلى هذا الترتيب تمر الجنازة في الطرقات المعوجة بنظام تام وفيها سفينة النعش فوق السحافة تسحبها الثيران وتسير الهوينا مستمرة على ذلك مدة ساعات.
فيما يحصل أثناء تشييع الجنازة
متى خرج النعش من بيت الميت كثر البكاء والنحيب وضجت النائحات المأجورة بالصراخ فيصحن ويقطعن شعورهن ويبدين من الأمور ما استوجب الزافرات والحسرات والأسف الزائد وهذا خلاف ما يحصل من أهل الميت وأحبابه فتراهم في صراخ وأنين وبكاء وعويل بالنساء نهم يتناوبن الرثاء والتأبين طائفة بعد أخرى ويقلن ما معناه:
إلى المغرب مسكن أسوريس. إلى المغرب أنت الذي كنت أحسن الناس وكنت تبغض الرياء فتجبن النائحات ويقلن المعبودات نفسها تنعيك لأنك ذاهب أيها الرئيس إلى المغرب.
هذا ما يحصل من طوائف النساء وأما ما يحصل من سائق الثيران التي تسحب النعش فوق الأرض فإنه يحث هذه الثيران ويقول لها:
إلى المغرب أيها الثيران السابحة للنعش إلى المغرب (إلا ثرى) أن سيدكم آت خلفكم فتجيبه الأحباب قائلين:
لقد أفل طالع الرجل العظيم الذي طالما أحب الصدق وكره الكذب اهـ.
ثم تستمر الجنازة بعد ذلك في سكوت تام برهة من الزمن وبعدها تصيح إحدى النائحات بالرثاء والندب فيجيبها النسوة بما يناسب ندبها وهكذا تسير الجنازة بين نعي ونحيب كما هو حاصل الآن في الجنازة وعلى الخصوص في الوجه القبلي وكل من سمع بالجنازة وجب عليه الإسراع بها مراعاة لخاطر أهل الميت ووفاءً بما تقضيه عادات البلاد وكذا كل من حضر قدم واجب التعزية والسلوان قائلاً إلى المغرب مضيفاً إليها_بعض عبارات تشف عن حسن خصال الميت وفضائله ومحاسن أعماله المبرورة وعما ناله من الرقي والشرف