في دار دنياه. وقد يدرجون في تعازيهم ما يشير إلى فناء هذه الدنيا والى بقاء الآخرة والى التحفظ والوقاية من هول يوم القيامة. ومتى أقبلت الجنازة على شاطئ النيل نزلت حملة القرابين في السفن المعدة لهم ونزلت النائحات وعائلة الميت في سفن أخرى ويضعون النعش في مقعد السفينة بعد كساء ظاهره إما بالأنسجة المزركشة المدبجة بأنواع الألوان أو بستار من الجلد المصبوغ بالألوان والمصنوعة صناعة جميلة تشهد لصانعها بالفضل والذوقالسليم وفي أثناء جواز النيل يكون الناس وقوفاً في السفن ووجوههم نحو النعش وفيما أسلفنا القول أن هذا النعش صنع على النمط الفلكي السري الذي أعد للمعبود أسوريس وأقيمت له عبادة في مدينة العرابة ويعرف عندهم باسم نشميت أي مبرقش بنقط سود ونقط بيض أو المرفوع الذكر. وهو رقيق الجسم خفيفة وشكله مستطيل وفي مقدمته ومؤخره زينته من المعدن على هيئة زهرة اللوتس وكلاهما مائلاً ميلاً خفيفاً إلى الأمام يخالهما الرائي أنهما ينوءان لثقل ما في السفينة وما في وسط هذا الفلك مقعد مزين بباقات من جريدة التنخل الأخضر فتطوف حوله زوجة المتوفى وأولادها نائمة ويكون معها قسيسان عليهما لباس وعصابات كزي المعبودتين لاسيس وتفتيس ومحلهما خل ف النعش لوقايته وي قف القسيس المترئس على الجنازة أمام النعش وبيده مبخرة يحرق فيها البخور وتكون سفينة النائحات خلف سفينة النعش.
أما باقي السفن فإنها تسبح على مقربة منها بقوة المجاديف وقوة الرجال وهذا التشييع يعرف عندهم بالرحلة أو الانتقال إلى الدار الاخرة فإذا ما رسا النعش على الشاطئ استقبله جموع الناس بالتبجيل والإكرام مودعين له قائلين:
لقد حان لك الدخول بسلام في القبر فعليك منا السلام فاذهب بسلام إلى العرابة واهبط بسلام نحوها ونحو الغرب اهـ
ولقد لكان لجواز النيل عندهم شأن عظيم لأن الانتقال من هذه الدنيا إلى دار الآخرة تختلف أحواله عند الأمم أما المصريون فقد عرفوا المكان الذي تذهب منه الأرواح لدخولها في دار البقاء وهو عبارة عن فجوة في الجبل الواقع غربي العرابة المدفونة ولا يتأتى للأرواح العبور منه في سفينة أسوريس ومن ثم كان عبور الميت للنيل هو استعاد روحه وتأهبها لتوجهها نحو الفجوة الآنفة الذكر وهناك تترقب مجيء الشمس في سفينتها فمتى أقبلت بما