فيها من طائفة المعبودات نزلت فيها وسبحت في السماء مخترقة باللجة السماوية برسومها في أثناء ذلك أما حالة في جثتها ومحلاة بملابسها المعتادة كأنها حية في دار دنياها أو يجعلها نائمة في نعش حوله النائحات والقسوس ومن خلفها سفن مشحونة بالقرابين ولقد ذهب اليونان بناءً على ما بلغهم من الروايات إلى أن أغنياء المصريين كانوا يفضلون دفنهم في العرابة بجانب أسوريس هي البقعة المباركة عندهم ولكن علمنا من بعض جثث أولئك الأعيان الذين قيل بدفنهم في العرابة أنهم ملحودون في مقابرهم التي أقاموها في ثمنف أو في بني حسن أو في طبيعة فاتضح أن الرحلة المنصوص عنها في النقوش المصرية القديمة سهي للروح لا للجسد - ولنرجع إلى أمر الجنازة فنقول أن جموع العالم تصيح أثناء تشييع الجنازة وتقول: إلى المغرب إلى المغرب دار الحق لقد نعاك وبكاك الملكان الذي كنت تهواه وتقول النائحات بسلام بسلام اذهب بسلام أيها الممدوح إلى المغرب سنراك إن شاء الله يوم الحشر لأنك ستذهب الآن إلى الأرض التي تمزج الناس بعضها ببعض.
ثم تصيح الزوجة قائلة يا بعلي يا أخي يا حبيبي قف واستقر في مكانك ولا تبتعد عن المكان الدنيوي الذي انت فيه واوجيعتاه مالي أراك ذاهباً إلى السفينة لتجتاز النهر - يا أيها الملاحون لا تسرعوا به بل دعوه لأنكم ستعودون إلى منازلكم أما هو فراحل إلى دار الخلود_لماذا أتي أيتها السفينة الأسورسية ونزعت مني هذا الذي يفارقني؟؟
أما الرملاحون فلا يعبأون بهذه العبارات المحزنة ولا يعيرون لها أذناً واعية بل يقولون كن ثابتاً فوق سطح السفينة لأنا اقتربنا إلى الشاطئ.
ومتى أقبلت السفينة المقلة للنعش بقوة وتصادمت بالشاطئ ربما يقع منها بعض الرجال في النهر وذلك لما تأتي باقي السفن وترسو بجانبها يتساقط منها في لجة النيل بعض القرابين لشدة تلاطمها بالشاطئ لكن لا يفلت أحد لذلك بل يستمر الأحباب في تأبينهم ورثائهم قائلين
ما أسعد هذا الممدوح حيث ساعده الحظ فتوجه إلى الراحة في قبره الذي أعده لنسه وسينال من المعبود الرحمة الواسعة فيسمح له بالذهاب إلى المغرب محفوفاً بالخدم من جيل لآخر_وهذا الرثاء لا يمنعه عن البكاء والعويل.
ثم إنهم يخرجون الموميا من السفينة ويضعونها ثانياً فوق السحافة وتنتظم الجنازة في سلكها