المصلى المعدة لها ويقرأون عليها الصيغة المقدسة السرية التي تلاها حوريس على جثة أسوريس ثم يطهرونها بالماء القراح وبالماء الأحمر ويبخرون الجنوب وبالشب الوارد من الوجه البحري كما يفعل لتمايل المعبودات عند الشروع في تقديم الضحايا لهم ثم يعملون له العمل اللازم لإيقاظه من السبات والأمانة ولخلاصه من لفائف الأكفان ويرجعون له الظل الذي تقلص منه وقت خروج روحه ويبردون إليه جميع حركاته فيصير جسمه المحنط حياً في عقيدتهم فيتغذى ويتنعم في ديار دنياه فإذا كان الجزارون يذبحون ثور الجنوب ويقطعونه بعد دفن الميت أسرع القسيس بتناول فخذ الثور وبتقديمه لفم الوجه المستعار الموضوع فوق رأس الجثة المحنطة لاعتقاده أنها حية وأنها تتناول شيئاً من ذلك ولما يجد عدم الفائدة يأخذ ألة من خشب لها أنصال من حديد ويشير بها على فمخ الجثة مريداً بذلك فتح فمها ثم يتلو صيغة على الموميا فيصبح في استطاعتها حسب عقيدتهم الذهاب والإياب والسمع والكلام وتناول شيءٍ من القرابين التي تقدم لها بل تستطيع أن تدعو كل من رافقها في يوم الجنازة إلى أول وليمة تقدم لها في قبرها بعد الدفن وذلك أنهم متى وضعوا تابوت الجثة في منامتها أتت العبيد بالقرابين وبالقدور الأربعة التي فيها أحشاء الميت والصناديق والأثاث والمأكولات التي أحضروها مع الجنازة فيتلو عليها القسيس صلاة معلومة عندهم بعد وضعها في القبر ثم يخرج من عندها ويقيم عليها البناؤون سداً محكماً في نور المشاعل وبعد تنجيز هذا العمل تقدم العبيد مائدة للحاضرين أمام القبر أو في المص لى فيحضر في هذه الوليمة تمثال الميت المرسوم رسماً بارزاً في آخر القاعة الثانية ويتوهمون أنه يتناول ما يخصه من هذه الوليمة حسب عقيدتهم القاضية بأن للأشياء روحاً وشبحاً كما للإنسان والحيوان فمتى ذهبت الموميا إلى قبرها تلبسها الحياة وتتمتع بفضائلها كما كانت في دار دنياها فالشيخ الموهوم للكرسي أو للسرير هو كرسي وسرير حقيقي لجثة الإنسان المدفونة فيتمتع بهما ويتلذذ بما يقدم من الشراب واللحوم لعالم الجنازة كما كأنها حية معهم وبينما يكونون مغمورين في ملاذ المطاعم تشتغل النساء بالرقص والقصف ويشرن في أغانيبهن تارة إلى الميت وطوراً إلى الأحياء مع مراعاة السجع فيقلن:
اكتسب حظ يومك ما الحياة إلا لحظة اكتسب حظ يومك لأنك متى دخلت قبرك مكثت فيه مكوثاً أزلياً إلى دهر الداهرين.