فإذا انقضت هذه الوليمة تأهب الجموع للرحيل فعندئذ يقوم العواد أمام بيت التمثال وبيده العود ويشرع في نشيد الأغاني القديمة فيقول ما معناه:
الدنيا دار انقلاب وتجدد مستمر إذ الأمر الذي قضى به أسوريس المعبود الكبير من الغرابة بمكان وهو أنه من حسن القضاء (والقدر) إنه كلما فني جسم وانقضى حل غيره مكانه وهذا معروف من قديم الزمان (كيف لا) وأن الفراعنة الأول الذين كانوا يعبدون ودفنوا في أهرامهم ودفنوا معهم في تلك الأهرام جثثهم وأشباحهم تركوا ما كان لهم من مقاعد القصور التي شيدوها فانقضى نحبهم فلا تيأس (أيها الحي) بل اتبع شهواتك وسرورك قدر ما تستطيع وطول ما تعيش في هذه الدنيا فلا تضني نفسك إلى أن يأتيك اليوم الذي يتوسل فيه الإنسان إلى أسوريس صاحب القلب الثابت فلا يسمع له_كل بكاء الناس لا يفيد الميت الذي في قبره فاكتسب حظ يومك ولا تهمل ما فيه مسرتك فلم يستطع أحد أخذ شيءٍ من أمواله إلى دار آخرته ولا أحد ذهب إليها وعاد اهـ.
أما اعتقادهم في الجثة فبعضوهم يقول أنها تبقى في القبر مرتابة الوجود قليلة التحمس بنفسها فلا تبرحه إلا إذا انقطع عنها وارد المؤونة أي القرابين التي تقدم لها من لدن أهلها واعتراها الجوع ويحكون نهم يرونها هائمة في القرى وتلقي بنفسها بشراهة على البقايا الموجودة فوق الأرض وعلى أقبح القاذورات ويحدث عندها القحط عوامل الغيظ وحب الانتقام من الأحياء الذين أهملوا أمرها فتهجم عليهم وتعنفهم وتجدد فيهم الأمراض_ويحكون أيضاً أن بعض الجثث أو أشباحها مع تقديم القرابين لها والقيام بما يلزمها فإنها شرسة الطبع فتحملها شراستها على اضطهاد أقرب أهلها فقد جاء عنهم في الآثار أن رجلاً أحسن معاشرة زوجته واقام لها جنازة فاخرة يوم وفاتها وأوقف لها أشياء كثيرة إلا أنها تقصده بالأذى فكانت تأتيه كل يوم بهيئات فظيعة ولم يتيسر له الخلاص من سوء أعمالها فلما فرغت جعبة صبره ولم يستطع تكبد هذا التعنيف المستمر كتب لها جواباً ذكر لها فيها حسن المعاشرة والتودد الذي كان بينهما وسألها عن الأسباب التي دعتها إلى هذه الأعمال السيئة فقال لها ما تعريبه:
منذ صرت زوجاً لك إلى هذا اليوم ما الذي فعلته نكاية فيك وأخفيه عنك ماذا تفعلين حينما أعترف (أمام الرب) بما فعلته لك يوم عرضنا عليه أمام مجلسه حينما أدافع بنفسي عن