هذا القول قد طلبوا (البقاء في دار الفناء وخلود من أعدت لهم اللحود). وذا ذهول من حضرة الكاتب: لأن أصل الدوام في اللغة السكون ومنه (ماء دائم). ويستعمل أيضاً في طول البقاء وامتداد المدة. ومنه (ديمة) للمطر الذي يستمر تهطاله بضعة أيام. ومنه أيضاً استعمال (مادام): فاذا قلت اجتمع بك مادمت في هذه البلدة كان المعنى مدة بقائك فيها. فقول الكاتب دام بقاؤه في الدعاء بمثابة أطال الله بقاءه. نعم قد يرد بالدوام والخلود كما في القرآن الكريم (أكلها دائم وظلها) والضمير يرجع إلى الجنة كما أن الخلود نفسه يراد به طول المدة أحياناً كما ورد في القرآن الكريم عن أناس لا يكونون كافرين ومع هذا خبر عنهم بأنهم يدخلون النار خالدين فيها ففسروا الخلود بأنه طول المكث لا المكث الأبدي.
ومما انتقده أيضاً عليه فيه قولهم (همى الدمع من عيونها) قال كم من عيون لها يشير إلى أن صوابه أن يقال من عينيها. لكن أهل اللغة يجوزون استعمال صيغة المثنى في الجمع والجمع في المثنى بل يجوزون أحياناً استعمال المفرد في الجمع والجمع في المفرد. ومثلوا لكل ذلك. وذكروا له أسباباً معتبرة عند أصحاب اللغة. ففي القرآن الكريم فقد صغت قلوبكما. كان الظاهر أن يقال قلبا كما لأن المخاطبين اثنان. ولهما قلبان لا قلوب. لكنهم هرعوا اجتماع علامتي تثنية في لفظ واحد. أما مثل همى الدمع من عيونها فيؤولونه بإرادة المبالغة وأن المرأة كانت كأنها تبكي بعيون كثيرة. لفرط ما استبلته من الدموع الغزيرة. وأكبر ما يؤاخذ به الكاتب أنه عاب أخوانه الصحافيين في أمر تكاد ترى مثله ماثلاً أمام عينيك وملموساً تحت يديك في كل جملة من جمل مقاله. مثال ذلك أنه آخذهم في قولهم أرسلت له وصوابه أرسلت إليه. وانتقاده صحيح ولكن الرصفاء لا يستحقون عليه كل هذا الأزراء والتوبيخ فقد قال في هذا الصدد:
(أصعب ما في اللغة على الدارسين أنفسهم استعمال حروف الجر وكل مدقق يتناول الجرائد والمجلات إلا العدد القليل منهن يضحك من كثرة السقطات التي لا يعذر منشئ عليها وفي مقدرته شراء معجم أو في رأسه قوة تميز بين هذا وذاك المعنى الخ).
ولكن هل تحسب حضرة الكاتب في منجاة من كل ما تنقص به زملاءه. وهل تراه أحسن استعمال حروف الجر ووضعها مواضعها اللائقة بها؟
قال في هجو أولئك الزملاء المساكين: (فترى أكثر الكتاب يتخرصون فيما لا يعذرون