للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسالته التي قرأها على أعضاء مؤتمر علماء المشرقيات.

على أن لدينا دليلاً آخر لهدم ما بناه عبد اللطيف لو فرضنا صدقه. وهو أن عبد اللطيف البغدادي على سعة عمله وفضله لم يكن مؤرخاً بل كان طبيباً حاذقاً ومن يقرأ كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء يعرف فضل عبد اللطيف في الطب وفروعه ولا يخفى أن من يطلب من الطبيب أن يكون مؤرخاً كمن يطلب من المؤرخ أن يكون طبيباً ولو أن ابن سينا والفارابي أو أحدهما كتب لنا حادثة تاريخية هل يجب علينا أن نثق بها ونعول على صدقها مع علمنا بأنهما اختصا بفرع من العلم غير فن التاريخ؟

أضف إلى ذلك أن عبد اللطيف لم يكن مؤرخاً بل كان كتابه عبارة عن مجموعة حوادث رآها في عصره وأحب أن يدونها بدون إمعان نظر أو أعمال فكرة.

وبعد فإن الواقف على حقيقة التاريخ يعلم حق العلم أن مكتبة الإسكندرية أحرقت قبل دخول الإسلام إلى مصر إذ لا يخفى أن ملوك الوثنيين هم الذين أسسوها فلما جاءت المسيحية إلى مصر وكانت في نشأتها متعصبة لدينها وعلومها بتحريض القسيسين والكهنة سعى أهلها في إحراق الإسكندرية وقد سلم بذلك كثيرون من كبار العلماء في الغرب ومنهم العلامة ارنست رينان الذي ألقى خطاباً اسمه الإسلام والعلم في المجمع العلمي الفرنسي وذكر فيه أن العلم والدين الإسلامي يجتمعان ولكنه عندما وصل إلى ذكر مسألة مكتبة الإسكندرية قال أنه لا يعتقد بأن عمراً هو الذي أحرقها لأنها أحرقت قبله بزمن طويل.

وكذلك ذكر العلامة درابر في كتابه أن يوليوس قيصر عند قدومه إلى مصر لنجدة كلوبطرة أحرق نصف المكتبة وقلده بطارقة الإسكندرية فأحرقوا البقية وذكر اورسيوس أنه رأى بعينه أماكن الكتب خالية منها بعد أن صدر أمر الإمبراطور ثوديوس بإحراقها.

أما وقد انتهى ما لدينا من الأدلة بطريق النقل فنحن نعمد الآن إلى العقل فقد جاء من الرواية التي أثبتنا كذبها أن الكتب وزعت على حمامات الإسكندرية وبقيت تشتعل ستة أشهر وكتاب الإفرنج يقولون أن حمامات الإسكندرية كانت في ذلك الحين تزيد على أربعة آلاف فما مقدار تلك الكتب التي تحرق في ستة أشهر في أربعة آلاف حمام؟ ثم لننظر في مسألة أخرى تحتاج إلى تحكيم العقل: وهي هل يعقل أن عمراً وهو الذي اشتهر بحب العلم وأهله وتقريبهم من مجلسه واكبر دليل على ذلك تقريبه ليوحنا منليوبوس أن يعمد إلى