هذه هي عاصمة الجليل وهذا طرف من تاريخها وعمرانها في القديم أما اليوم فحالها حال قرية حقيرة لا نكاد تجد فيها شجرة مع اشتهارها قديماً بكثرة الاشجار بلا أن النخيل الذي كان يكثر فيها لا تجد له إلا أثراً ضئيلاً جداً كما كاد يفقد من أرض الجليل اللهم إلا بعض سواحل البحر ولذلك تجد طبرية باهتة مكمدة ولو حفت المراف البحيرة بالأشجار لطاب مناخها واعتدل هواؤها وراق للنواظر منظرها وأصبحت مصيفاً ومشتى على حد سواء ولكل الأهالي كالى والحكومة لا يهمها إلا أخذ ما تيسر من الضرائب والعثور.
قال لنا أحد أصدقائنا من علماء دمشق في الاقتصاد والعمران زرت طبرية منذ اثنتين وخمسين سنة وزرتها منذ سنتين فلم أشهد فرقاً في عمرانها بل رأيتها جامدة لم تتحرك ولولا فندق لالماني ومستشفى للانكليز لرسمت لطبرية نفس تلك الصورة التي علقت في ذهني منذ نصف قرن ومع ما نشكه من بطء بلادنا في نهوضها وعمرانها نجد القرى في هذه الحقبة من الزمن قد تغيرت صورتها وانبسطت رقعتها وحسنت ولو بعض الشيء بقعتها أما طبرية فهي الجمود بعينه ولم يزدها الاجالية من يهود الغرب نزلوها مهاجرين فكان المسكن الذي ينزله خمسة أنفس يؤوي الآن عشرين فتضايق السكان وفسد الهواء واستوبل الماء وافتقر أهل البلاد الأصليين لأن لسان حال الاسرائيليين والصهيونيين خاصة مع جميع الشعوب كما قال ذلك السامري لامساس.
كان من حق الناصرة أن يسبق الكلام عليها لانها اليوم أعمر بلاد الجليل ومهبط أفئدة أمم النصرانية ولكنها بلد حديث بالنسبة لبلاد الجليل بدأ مجدها بأنها كانت موطن مريم العذراء عليها السلام وفيها عاش المسيح إلى الثلاثين من عمره ولم ير لها ذكر في كلام قدماء المؤرخين ومعنى الناصرة الفرع أو الزهرة وهي على ثلاثة عشر ميلاً من طبرية ممتدة على شكل نصف دائرة في سفح دائرة من الآكام العالية وبيوتها بيضاء نظيفة تحيط بها أشجار الزيتون والتين والصبار وبذلك تألف منها صورة مليها لا تتعب العين من النظر إليها.
قال رنان: كانت الناصرة بلدة صغيرة قائمة في طية أرض منبسطة على متن بعض الجبال أما سكانها فإنهم يبلغون اليوم أربعة آلاف نسمة فكأنها الناصرة القديمة لأن المؤرخ يوسيفوس يقول أن أصغر قرى الجليل كان عدد نفوسها خمسة آلاف نسمة وإن كان هذا