لا جرم أن كل من جال جولة في أوروبا وأميركا يعرف مقدار حرص الفرنجة على الانتفاع بالغابات، فقد قامت الجرائد والجمعيات في فرنسا منذ مدة تدعو إلى تشجير الأراضي الوعرة أو غير الصالحة للمراعي وإلى تخضير الأراضي المنحدرة انحداراً قليلاً ولسان حالها ينادي أننا نرمي إلى إنقاذ أرض الوطن والمحافظة على ارث ثروتنا وبدائعنا الطبيعية ونريد تربية فكر الطفل منذ صغره على قدر حسنات الغابات قدرها فبهوائها يحسن الجو وتطرد مجاري الأنهار ويخضل العشب ويكثر غذاؤه للماشية والسائمة والجبال أجمل منظراً والسهول أكثر ابتساماً، وأقبلت الجمعيات وغيرها تنشر منشورات في فوائد التشجير وتوزعها على الفلاحين واشتغل مجلس النواب ومجلس الشيوخ بذلك مدة طويلة.
وقامت انكلترا تريد تشجير كل ما يمكنها تشجيره من ارضها ولا سيما في السواحل البحرية التي تسطو عليها مياه البحر تريد بذلك أن تجد عملاً للبطالين وقدرت اللجنة التي عهد إليها النظر في سطح الأرض التي تعطي إذا شجرت أكثر مما تعطي الآن من الدخل فكانت ٣٦٠٠٠٠٠ هكتار من ثمانية ملايين بدون أن يمس السطح المغروس من الجزائر البريطانية وايرلاندا وتبين لهم أن غابات انكلترا أقل من غيرها من غابات البلاد الأوروبية وأن الحكومة لا تموت بتاتاً ولذلك يتيسر لها أن تكمل ما بدأت به من الأعمال إلى الغاية المطلوبة على خلاف الأفراد فإن الفرد يصعب عليه أن يصرف شيئاً ربما لا يأتيه في حياته فمن ثم كانت الحكومة أقدر على تشجير الغابات واستثمارها بعد سنين طويلة خصوصاً وأن بيع الأخشاب والأحطاب لا يصعب على حكومة وقد رأوا أن ما تصرفه الحكومة من المال وتنتظر الحصول عليه يأتيها من الواردات بفائدته مضاعفة وأنه ليس من العدل أن يصرف أبناء هذا الجيل ما يقتطف ثمرته أبناء الجيل القادم أي بعد ثمانين سنة وهي المدة التي لا يتأتى الانتفاع بالغابات في أقل منها فإذا شجرت الحكومة كل سنة ثلاثين ألف هكتار تدفع في السنة الأولى ١١٢٥٠٠٠ فرنك وتكثر النفقة سنة عن سنة حتى السنة الأربعين فيكون قد بلغ ما صرفته ٣٩ مليون فرنك وتعادل النفقات الدخل بعد هذه السنة إلى السنة السبعين وبعدها يزيد الدخل على الخرج فيبلغ الدخل الصافي نحو أربعة في المئة فتكون إذ ذاك ٢٤٨ مليون فرنك وتساوي أملاك الحكومة من الغابات ثمانية مليارات فرنك أي أنها تبلغ ملياراً ونصفاً زيادة على كلفتها، وكل هذه النفقات والمداخيل